صلاح هاشم يكتب من باريس لجريد ” القاهرة ” في مصر عن عودة ” الحياة السينمائية ” في فرنسا.بقلم ولاء عبد الفتاح



admin رئيسية, شاشة باريس, كل جديد, مختارات سينما ازيس 0
admin رئيسية, شاشة باريس, شخصيات ومذاهب 0
سابين أزيما في لقطة من فيلم ” يوم أحد في الريف” لبرتراند تافرنييه
أحببت الفنان والمخرج والمؤرخ والمنتج والموزع والمفكر السينمائي الفرنسي الكبير برتراند تافرنييه ، من مواليد مدينة ” ليون” وسط فرنسا في 24 ابريل عام 1941، وتوفي في قرية سان بول اقليم الفار في 25 مارس2021 عن عمر يناهز 79 سنة،
أحببته من أول لحظة التقينا فيها، وكان ذلك منذ أكثر من عشرين عاما، في قلب سفارة أندونيسيا في باريس. ومن هنا تبدأ الحكاية..
فقد كانت السفارة أقامت حفلا لتكريم الممثلة الاندونيسية الكبيرة كريستين حكيم، بسبب حضورها الى فرنسا، ومشاركتها بفيلم من بطولتها ،في مهرجان( القارات الثلاث ) في مدينة نانت الفرنسية،وكانت كريستين، التي حضرت عرض فيلمها في نانت، وأجريت معها حوارا طويلا لمجلة ” كل العرب” الاسبوعية التي كانت تصدر من باريس آنذاك في فترة التسعينيات،
دعت فقط لحضور حفلها،من بين كل النقاد والصحافيين، الذين التقتهم في المهرجان،دعت- لدهشتي – برتراند تافرنييه،وكاتب هذه السطور،وكان لقاء تافرنييه، الفنان الحكاء، والمخرج اللطيف المهذب، أجمل ماوقع لي في ذك الحفل التاريخي البهيج ..
فقد بهرني تافرنييه، ليس بجسده العملاق، وقامته،بل بأدبه الجم، وتواضعه النبيل،وأخلاقه العالية،وخجله الكبير،وإنسانيته الجمة،ومعارفه السينمائية الواسعة،وبهرني أكثر،عندمااقتربت منه،وصرناأصدقاء،بسبب ثقافته السينمائية الموسوعية المذهلة..
ليس فقط،في مايخص السينما الفرنسية،ونجومها ومخرجيها، وتاريخها وذاكرتها وأسرارها، وتفاصيلها، بل في مايخص أيضا السينما الأمريكية الكبيرة،والأدب الأمريكي، وموسيقى الجاز وأعلامها،
وربما كان فيلم ” حول منتصف الليل “AROUND MIDNIGHT الذي أخرجه تافرنييه، من أهم الأفلام التي صنعت،عن موسيقى الجاز والسينما، وعلاقة موسيقى الجاز،وارتباطها ومنذ نشأتها، بتاريخ العبودية ،في أمريكا، ونشأة السينما كفن، في الربع الأول من القرن العشرين..
الأب الروحي للسينما الفرنسية
برتراند تافرنييه
ولم يكن تافرنييه الذي أخرج أكثر من 30 فيلما، وعرفته وأحببته، وأحببت أفلامه التي تحكي جميعها عن “الأسرة “، أو المجموعة الإنسانية ، و قيمة الحب في حياتنا،والكيفية التي يمكن من خلالها، أن نتجاوز مشاكل وأزمات وتناقضات مجتمعاتنا ونناضل، وبكل تلك القيم التي يفاخر بها الإنسان، لكي نسمو بإنسانيتنا،خارج مجتمعات الاستهلاك المادية الكبرى ونرجسيتها المقيتة، وفقط عندما نستشعر، بأن الإهانة التي تلحق بإي إنسان في العالم ،هي إهانة للإنسانية جمعاء..
لم يكن برتراند مخرجا- أفلام ” يوم أحد في الريف “UN DIMANCHE A LA CAMPAGNE و ” ساعاتي حي سان بول ” و ” فليبدأ الحفل ” وغيرها فحسب، بل كان أيضا مؤرخا – فيلم ” رحلة في السينما الفرنسية ” فيلم وثائقي طويل ورائع،يستغرق عرضه أكثر من 4 ساعات، ويعد في مجمله، “تحية حب وتقديس وتكريم :للسينما الفرنسية وتنوعها الهائل، كما في تنوع DIVERSITY أفلام تافرنييه ذاته، الذي جرب كل أنواع الأفلام – في ما عدا أفلام نوع الوسترن ،ونوع الكوميديا الموسيقية –والذي أطلق من خلال أفلامه شهرة مجموعة كبيرة من الممثلين والممثلات الفرنسيين في الع
فن إدارة الممثل
لقطة من فيلم ” إزالة ” COUP DE TORCHON تظهر فيها ايزابيل أوبير وفيليب نواريه
والقائمة هنا طويلة جدا ،وتضم أسماء كثيرة مثل فيليب نواريه، وسابين ازيما، وايزابيل أوبير وناتالي باي وغيرهم، وقد كان تافرنييه أيضا مؤلفا – كتاب ” السينما الأمريكية في خمسين سنة ” ومنتجا – من خلال شركة ” الدب الصغير ” التي أنشأها – وكاتب سيناريو، لغيره من المخرجين،، ومدافعا عن التراث السينمائي الفرنسي، وضرورة الحفاظ عليه من الضياع والاندثار- شغل تافرنييه منصب رئيس “معهد لوميير” السينمائي في مدينة ليون،
للحفاظ على تراث الشقيقين لومير اللذين اخترعا السينماتوغراف- كما كان مناضلا ضد الحروب، والكلونيالية- الاستعمار، كما في فيلمه البديع،أو بالأحرى من وجهة نظرنا، رائعته ” (COUP DE TORCHON ) وتنعي حرفيا ضربة خرقة بمعنى تنظيف أو إزالة – إزالة كل وسخ المستعمرين الفرنسيين الأجانب في الفيلم الذكي – و كذلك العنصرية البغيضة في فرنسا، والفاشية المنظمة، وضياع الشباب الفرنسي، الذي يريد أن يصل بسرعة، من دون ثقافة أوخبرة وتمرس، وأن يحصل على المال بأي وسيلة، كما في فيلمه الأثير ” الطعم ” LAPPAT – حتى صار تافرنييه “الأب الروحي” LE PARRAIN للسينما الفرنسية بالفعل – كما وصفته جريدة الفيجارو- وعن إستحقاق وجدارة.
وحيث تقف معظم أفلامه ” الكلاسيكية ” التقليدية، من نوع ” سينما الجودةQUALITY ” في فترة الخمسينيات، وقبل ظهور حركة ” الموجة الجديدة ” في السينما الفرنسية.تقف في خندق الدفاع عن المرأة، وحقها في الحرية ،والمساواة ،وقد تمثلته وأحببت أفلامه ” الإنسانية الواقعية ” من خلال أبطالها،وأعجبت بفن تافرنييه الكبير- الذي تجري فيه السينما مجرى الدم في العروق- في ” إدارة الممثل ” – على طريقة المخرج الأمريكي العظيم إليا كازان، كما في فيلم ” رصيف الميناء” ،الذي يدير كازان فيه الممثلين الشامخين العملاقين مارلون براندو ورود ستايجر،وعشقه الكبير تافرنييه للمسرح، والممثلين المسرحيين..
ويظهر ذلك الفن- فن إدارة الممثل عند تافرنييه – في أبلغ صوره، في رأيي، في فيلم ” القاضي والقاتل ” الذي يلعب بطولته الممثل الفرنسي فيليب جالابرو، فعلى الرغم من أن جالابرو، كان يصنف كممثل كوميدي، ويشارك في أفلام ليو دو فينيس الكوميدية، مثل فيلم ” جندرمة سان تروبيزا” ، استطاع تافرنييه أن يحدث انقلابا رهيبا ،في مسيرة جالابرو السينمائية ومنحاه في التمثيل، حين جعله يضطلع ببطولة فيلم درامي تاريخي، يثير الكثير من الجدل( القاضي والقاتل ) وينجح ويبرز فيه بتمثيله، ويحصل على عدة جوائز ، ويفتح تافرنييه هكذا لجالابرو، الممثل المسرحي الكبير،سكة جديدة..
” السعادة ” بعد مشوار السينما الطويل
في كتاب بعنوان” برترند تافرنييه . السينما في الدم. محاورات مع برتراند تافرنييه ” للكاتب والناقد السينمائي الفرنسي نويل سومسولو، ويحكي فيه عرّاب أو الأب الروحي للسينما الفرنسية، عن مسيرته السينمائية الكبيرة، وعن هذه السينما الفن الرائع، الذي يفتح لنا سكة للفهم والوعي، على درب التنوير، وهو يعلي، ويذكي فينا، من قيمة الفضول، يسأل نويل تافرنيه..
“.. ماهو تعريفك يا تافرنييه.. لـ ” السعادة ” ..وماذا تعني لك ؟” ..
فيرد تافرنييه- الدرويش، المخرج الفرنسي، من الحكائين والمشائين الكبار، وأعظم الحكواتية في عصرنا ، يرد قائلا :
” ..السعادة الحق يانويل، أن تستيقظ صباح كل يوم، وتجد نفسك مازلت على قيد الحياة، ياللمتعة، فتأمل أن يكون يومك، أجمل من الأمس ، وأنت تدلف الى بحر الحياة، من دون خوف، أو وجل. لاشييء.. سوي السينما “..
وداعا تافرنييه..
صلاح هاشم
برتراند تافرنييه يتسلم جائزة الأسد الذهبي لمجمل أعماله من مهرجان فينيسيا
صلاح هاشم
ناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا ومؤسس موقع سينما إيزيس عام 2005 في فرنسا
admin رئيسية, شاشة باريس, شخصيات ومذاهب 0
admin Uncategorized, رئيسية, شاشة باريس, كل جديد 0
تنظم ” أكاديمية فنون وتقنيات السينما الفرنسية” حفلها السنوي السادس والأربعين، لتوزيع جوائز السيزار- الأوسكار الفرنسي – يوم الجمعة الموافق 12 مارس الساعة 9 مساء، وهي المرة الأولى ،التي يعقد فيها حفل السينما الفرنسية الكبير – تأسس عام 1976 – تحت إدارة جديدة، برئاسة السيدة فيرونيك كيالا – الرئيس السابق لكل من قناة ” آرتيه ” ،و المركز القومي للسينما في فرنسا، ونائب الرئيس، المخرج الفرنسي إيريك توليدانو..
والمعروف أن الإدارة الجديدة، تم إنتخابها في فبراير عام 2020 بعد نشوب ” ثورة ” على الإدارة القديمة المتهالكة، التي كانت تنحاز لـ ” خيارات ” محددة بعينها ،لمجموعة صغيرة من الاداريين والمخرجين والنجوم ، من أصحاب النفوذ ، ضمن الأعضاء القدامى في الاكاديمية، وقد تم على أثرها، طرد رئيس أكاديمية السيزار القديم، بسبب تدخله وتورطه شخصيا،في منح جائزة أحسن مخرج، للمخرج الفرنسي من أصل بولندي رومان بولانسكي، على الرغم من أن بولانسكي، كان ومازال، متهما في قضايا إغتصاب و تحرش جنسي، ومطلوبا للمحاكمة، كما تم اختيار إدارة جديدة للأكاديمية،تتحقق معها شروط ” المساواة” بين المرأة والرجل ، في جميع هياكلها الجديدة..
يترأس حفل السيزار في دورته 46 يوم الجمعة القادم، الممثل والمخرج الفرنسي من أصل عربي رشدي زيم، وقد تم اخنيار الممثلة مارينا فوس لتقديم وإدارة الحفل، والمغني بنجامان بيولا رئيسا للأوركسترا..
والمعروف أن أكثر من 150 فيلما فقط من انتاج 2020 تتنافس على الفوز بجوائز السيزار – ويقل عدد هذه الأفلام بنسبة مرتين، عن عدد الأفلام المشاركة كالمعتاد في كل دورة ، على الرغم من أن دور العرض في فرنسا، تعرضت للاغلاق لفترة تزيد على 162 يوما – أكثر من 5 شهور – بسبب انتشار وباء الكورونا، حتى أن بعض السينمائيين الفرنسيين إعتبروا أن الاصرار عل إقامة الحفل يوم الجمعة القادم ،هو أمر “غير شرعي” بالمرة..
حيث أن الظروف الصحية التي تمر بها البلاد، لم تسمح بخروج عدد كبير من الأفلام، التي كانت جاهزة بالفعل للعرض، ولم يستطع أصحابها – للأسف – ترشيحها ، أوالمشاركة بها في المنافسة على جوائز الأكاديمية السينمائية الفرنسية العريقة..
في حين أصرت الأغلبية، على ضرورة تنظيم الحفل، لارتباطه بمصالح وحقوق، قطاعات واسعة من العاملين في السينما الفرنسية،من موزعين ومنتجين وممثلين،وغيرهم،والمساهمة هكذا، بقدر المستطاع، مع إقامة حفل السيزار46، من الحد من دفع أعدادا متزايدة من العاملين في الوسط السينمائي الفرنسي الى ساحة ” البطالة “..
كاميليا جوردانا
ويتنافس على جائزة أحسن فيلم في حفل السيزار 46 ، مجموعة من 6 أفلام تم اختيارها من ضمن ال150 فيلما التي تم ترشيحها، من ضمنها فيلم ” أقوال وأفعال ” من إخراج إيمانويل موريه، وفيلم ” ADN ” للمخرجة مايوين، وفيلم ” صيف 1985 ” لفرانسوا أوزون..
ومن ضمن الممثلين الفرنسيين المرشحين للفوز بجائزة أحسن ممثل في حفل السيزار 46، الممثل الفرنسي من أصل عربي سامي بوعجيلة،، كما تنضم أيضا الممثلة الفرنسية من أصل عربي كاميليا جوردانا ، الى قائمة الممثلات المرشحات للحصول على جائزة أحسن ممثلة، وهما الإثنان من أبناء وبنات المهاجرين العرب الى فرنسا، وسوف تقوم قناة ” كنال بلوس” الفرنسية التاسعة مساء الجمعة 12 مارس، ببث فقرات حفل السينما الفرنسية الكبير،الذي يقام في فاعة الغناء ” الأوليمبيا ” الشهيرة ، التي غنت بها كوككب الشرق أم كلثوم، في العاصمة باريس..
باريس – صلاح هاشم
صلاح هاشم ناقد سينمائي مصري.مؤسس موقع سينما إيزيس عام 2005 في باريس.فرنسا ورئيس تحرير الموقع
admin افلام, رئيسية, شاشة باريس 2
بعد إغلاق دور السينما والمسارح والمعارض في فرنسا،خلال فترة “العزل الصحي” الثانية التي تعيشها حاليا – والتي انطلقت يوم 30 اكتوبر وتستمر لمدة إسبوعين- في محاولة لإيقاف حالات الإصابة بوباء الكورونا، التي وصلت الى معدلات غير مسبوقة، وأصبحت تثير الهلع والخوف في البلاد..
شرعت منصات بث الأفلام البديلة ومن ضمنها التليفزيون ” القناة الخامسة”- في محل دور العرض المغلقة – في إخراج مافي جعبتها من أفلام، كانت محجوزة للعرض التجاري،ومن ضمنها فيلم وثائقي بديع ، عرضته القناة الخامسة الفرنسية المذكورة حديثا، بعنوان ” إكتشاف لغز مقبرة توت عنخ آمون “اخراج بول برادشو-انتاج بريطاني- مدة العرض 50 دقيقة..
يعرض- ولأول مرة بالألوان الطبيعية، وليس بالأبيض والأسود – للأسباب الخفية التي جعلت عالم المصريات الانجليزي هوارد كارتر، يحقق “أعظم إكتشاف أثري، ليس فقط في القرن العشرين، بل ولكل العصور” الا وهو إكتشاف مقبرة فرعون الملك توت عنخ آمون ، من الأسرة 18 في وادي الملوك بمصر، عام 1922..
حيث يأخذنا هذا الفيلم الساحر، الذي يحبس الأنفاس، في رحلة مثيرة أولا الى مدينة اكسفورد، حيث يقع “معهد جرفيث” ،الذي يحتفظ بكافة الخطط والوثائق والصوروالمذكرات الشخصيةالتي تركها هوارد كارتر بعد وفاته، ومن خلال مذكراته، يقول لنا الفيلم ،من هو كارتر، وكيف استطاع أن يحقق هذا الاكتشاف الاثري العالمي العظيم، وكيف تغلي على كل العقبات والمصاعب التي واجهته، في ظل الظروف السياسيةالتي عاصرها،ومن ضمنها نهاية الحرب العالمية الأولى،وظهور القومية المصرية، ومصر واقعة تحت الاحتلال البريطاني..
فقد كان هذا الاكتشاف المثير، بتمويل ورعاية من اللورد كارنارفون، كما تقول د. هبة عبد الجواد من جامعة لندن في الفيلم ..كان بمثابة تأكيد على ” الهوية المصرية “، وبما يعني أيضا كما تضيف، على أننا شعب ،لايمكن أن يحكمه الغرباء..
admin رئيسية, شاشة باريس, شخصيات ومذاهب 0
بعد هجرة دامت عشرين عاماً تعود عزة جنينى إلى المغرب فى موكب موسيقى فولكلورى حافل : سبعة أفلام من أصل تسعة أفلام موسيقية تسجيلية تشكل الفيلم الوثائقى الضخم ” المغرب أجساداً وأروحاً ” المخرجة المغربية أنجزت هذا العمل السينمائى الوثائقى فى إطار مشروع حفظ التراث الموسيقى العربى الذى شاهدت منه ثلاثة أفلام حتى الآن “عيطة” و”مديح” و”عيدان وملذات” فما هى حدود هذا المشروع وماذا فى هذه الأفلام؟
المخرجة والمنتجة المغربية عزة جنيني على اليسار مع المخرج المغربي سهيل بن بركة
من أبرز القضايا التى تطرحها مؤتمراتنا الموسيقية العربية التى تعقد هنا أو هناك بين الحين والحين ، قضية التراث الموسيقى العربى ، غناه وتنوعه ، وكيفية الحفاظ عليه من عوامل الفناء والاندثار ، إذ أن الغالبية العظمى من التراث الموسيقى الشعبى الفولكلورى ، مازالت تتناقل من جيل إلى آخر بالطرق الشفهية السمعية ، ولحد الآن لم تستغل الجهات المسؤولة والمعنية بذلك التراث امكانيات السينما التسجيلية الهائلة فى توثيقه وحفظه ، بالقدر الكاف . ومن الأشياء الغريبة التى تعكس التخبط الحاصل فى هذا الموضوع ، أن تبحث عن وثيقة فيلميه مثلا عن فن من فنوننا الموسيقية الشعبية ، فلا تجدها الا فى مكتبة الكونغرس ، أو فى متحف فى برلين أو قسم الوثائق الشرقية فى المكتبة الوطنية أو السينماتيك فى باريس . والغريب هنا أن يكون الأجانب أكثر حرصا منا نحن أصحاب التراث على جمعه وحفظه وتصنيفه وتحليله ودراسته وأرشفته . الا أن بعض المؤسسات الثقافية العربية تحاول الآن أن تتدارك هذا الخطأ والتقصير عن طريق المشاركة فى تمويل بعض المشروعات السينمائية الخاصة بتسجيل تراثنا الموسيقى العربى وقد كان فيلم ” المغرب أجساد وأرواح ” من اخراج المغربية عزة جنينى عبارة عن سلسلة من الأفلام التسجيلية القصيرة ( 9 أفلام – أنجز منها 7 أفلام حتى الآن ) من أبرز هذه المشروعات ، التى شاركت أيضا فى تمويلها وزارة الشئون الثقافية والمركز القومى للسينمما فى المغرب ، وقد عرض هذا الفيلم فى التلفزيون الفرنسى و على الجمهور الفرنسى بمناسبة الاحتفال فى فرنسا بعام المغرب .
من هى عزة جنينى ؟ وما هى القيمة الحقيقية لهذا الفيلم ؟ عزة جنينى – من مواليد المغرب عام 1942 – تعيش فى فرنسا منذ أكثر من عشرين عاماً ، دلفت إلى الوسط السينمائى الفرنسى واستطاعت أن تخلق لنفسها وللسينما المغربية حضوراً متفرداً ، فمنذ سنوات طويلة وهى تعمل كمندوية فى فرنسا للمركز القومى للسينما فى المغرب الذى يشرف عليه المخرج سهيل بن بركة ، وإلى جانب عملها فى الدعاية للسينما المغربية ، أسست مع المخرج الفرنسى الشهير لوى مال شركة لانتاج الأفلام ، وبعد أن انتهت من دراستها اللغات الشرقية فى ” السوربون ” تفرغت للانتاج السينمائى ، فأنتجت الفيلم التسجيلى عن فرقة ” ناس الغيوان ” الموسيقية المغربية ، وشاركت فى انتاج فيلمين مغربيين هما ” زفت ” للمخرج المسرحى المغربى الطيب صديقى ، وفيلم ” حادة ” لمحمد أبو الوقار ، وقامت بتوزيع العديد من الأفلام المغربية والإفريقية فى البلدان الناطقة باللغة الفرنسية ، قبل أن تقدم على انتاج واخراج فيلمها الموسيقى الأخير الذى استغرق العمل فيه ما يقرب من ثلاث سنوات كاملة ، قبل أن يصبح جاهزا للعرض هذا العام فقط
كما الفت عزة جنينى كتابا سياحيا مصوراً عن المغرب بعنوان ” المغرب ” صدر عن دار نشر ” ريشير هواكى ” فى فرنسا عام 1988 . “المغرب أجساد وأرواح ” يعتمد على فكرة أساسية تشكل الأرضية الفكرية لهذا العمل الفنى السينمائى المتميز
أن المغرب بطبيعته وبتاريخه هو بلد الصور المتعددة والانماط الموسيقية المتنوعة . بلد لا يمثل عالما واحدا بل عدة عوالم فى آن واحد . بلد تلاقحت فيه الحضارات والثقافات الإسلامية والإفريقية والأندلسية من دون أن تفقده شخصيته الفريدة . هذه ” الهوية ” المغربية المتميزة التى يعبر بها الإنسان المغربى عن ” أصالته ” وحضوره المؤثر فى العالم ، تنعكس فى سلوكه اليومى ، وأسلوب حياته ، كما تنعكس أيضا فى فنونه الموسيقية المتعددة التى تشده دائما إلى الأرض المغربية ، وتكشف عن حرصه على تقاليده وتراثه .
يقدم فيلم ” المغرب أجساد وأرواح ” هذه الأنماط والأشكال الموسيقية المغربية فى مناخها الطبيعى وجوها على أرض المغرب ، وهو عبارة عن رحلة على حلقات أو مراحل بالصور والألحان الموسيقية العذبة ، إلى أرض السحر فى المغرب ، وفنون هذا البلد فى شكل ” بورتريهات ، قصيرة ، وتستغرق كل رحلة ما يقرب من 26 دقيقة ، وتركز من خلال ” النوع ” الموسيقى على اقليم ما أو مدينة ما أو ” حدث ” معين . شاهدنا من السلسلة ثلاثة أفلام فى معهد العالم العربى .
الفيلم الأول بعنوان ” عطية ” تنتقل بنا كاميرا عزة جنينى إلى مدينة “الزمور” على شاطئ الأطلسى حيث يجرى الاحتفال بموسم مولاى عبدالله ، وتستقطب المدينة عشرات الفرسان وألاف المواطنين المغاربة ، وتنصب الخيام فى كل مكان . ويبدأ هذا الفيلم الذى يدهشنا منذ أول لقطة فيه بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، صرخة مجلجلة تنطلق من فم عجوز يقف وسط جمع من الفرسان فى الحلقة ، وكأنها دعوة إلى الاستيقاظ من سبات عميق عميق . ينطلق الصراخ كالرعد من حنجرة ذلك الشيخ العجوز وتنتقل الكاميرا عبر القطع الفورى على صوت جميل هو صوت المغنية فاطمة بنت الحسين ، التى تغنى فى صحبة فرقتها الموسيقية ( أربعة من النساء ومجموعة من العازفين على الآلات الموسيقي العربية التقليدية فى فرقة ” أولاد اغيدا ” )
هذا النوع الغنائى الموسيقى الذى يطلق عليه فى المغرب ” العيطة ” الذى تؤديه ” الشيرات ” ” CHIRATES ” وهن المغنيات اللواتى اشتهرن بهذا الاسم ، مثل شعراء التروبادور الجوالين ، يتجولن عبر المغرب ، من مدينة إلى مدينة ، ومن احتفال إلى احتفال . تغنى فاطمة داخل الخيمة الكبيرة فى صحبة نساء فرقتها وتقول للجمهور ” ها نحن قد عدنا إليك مرة أخرى يا جمهورنا الحبيب ” جذور ” العيطة ” التى هى أقرب ما تكون شبها بيكائيات الشجن العميق تمتد فى أرض المغرب على شاطئ المحيط الأطلنطى ، التى أنجبت فرسانا دافعوا عن العروبة منهم مولاى عبدالله .
فاطمة بنت الحسين هى من أشهر مطربات ” العيطة ” فى المغرب ، ” العيطة ” صرخة تحولت إلى غناء ثم صار ذلك الغناء نداء … نداء إلى الذاكرة وشهادة على الألم وأمل فى أن تكون الأيام القادمة ، حبلى باشراقات الفرح الحقيقى فى غد مزدهر . وتغنى فاطمة تحت الخيمة ، فى الوقت الذى تنسحب فيه الكاميرا إلى الخارج لتصور لنا هذه الخيام المنصوبة على شاطئ البحر والتى تمتد بعرض الآفق ، ونرى انعكاساتها على صفحة المياه ، تغنى فاطمة للفرسان : ” آتونا بالبندقية والبارود فها هم الفرسان الذين نتفاخر بهم قد وصلوا … وها هو الجواد الأصيل يخرج من قلب المياه ، صدى العيد دعانى ، وها هى الخيام فى الخارج قد ارتفعت ، أرنا أن كنت صياداً ، يا أبناء الدواخلة أنتم ابطالى ، هذه هى لحظة الاختبار الحاسمة ايها الفرسان ” وننتقل عبر مشاهد الفيلم من مناظر طقوس صب الشاى فى الكؤوس ، إلى ايقاعات ومناظر ذلك العيد – الاحتفالى فى الخارج . تحت الخيمة الكبيرة يرقص الفرسان بالبنادق ، فيما تتصاعد حدة ذلك الدق فجأة ، وتشرع النساء فى الرقص العنيف .
لا تقف الكاميرا فى هذا الفيلم الذى يحتشد بحركة ثابتة ، فى إطار اللقطة الواحدة ، وتترك للمتحدث الكلام . مثل هؤلاء الفرسان تركب عزة جنينى كاميرتها وتنطلق فى رحاب ذلك السهل الممتد إلى البحر ، لتفتح لنا مع ذلك الغناء الشجى الذى يتسلل إلى أعماق نفوسنا وتهتز له مشاعرنا ، نافذة على الحياة والبحر والناس .. تتجول فى الساحة مع فرسان العوينات وخيل الجعيدات وأولاد فريج وسيدى قاسم.
وفى لقطة من فيلم ” العيطة ” توجه المخرجة سؤالا إلى فاطمة بنت الحسين عن نوعية الجمهور الذى تغنى له مع فرقتها فتقول فاطمة ” فن العيطة يقبل عليه الجميع . أنه فن شعبى بالدرجة الأولى ، وبعض عشاقه من الرجال هجروا كل شئ ، من أجل الفوز بقلب هذه المغنية أو تلك ، وراحوا يتتبعونها فى كل مكان ” سارت فاطمة إلى هذا المكان منذ أكثر من 18 عاما ، وأخذت من تراث هذا النوع الغنائى المميز الذى صار كلاسيكيا . ومنذ ذلك الوقت وهى تدور فى انحاء المغرب ومدنه مع فرقتها التى اشتهرت بأعمالها القديمة ومنها ” رجانا فى العالى ” التى تقول كلماتها ” حبيبى هجرنى ولا أحد يشفق على . أوصدت الأبواب فى وجهى ولا أعرف للخلاص طريقا . رجاناً فى العالى “
وفى لقطة من الفيلم تجتمع عزة بالمغنيات المنشدات فى غرفتهن بالفندق وتغنى أحداهن دوراً من أدوار ” العيطة ” ويهبط المساء على المدينة المتألقة ، وتمر عزة جنينى بكاميرتها فى لقطة بانورامية على هذه البيوتات البيضاء الصغيرة المتلاصقة بجوار البحر وكأنها تمسح بمنديل من حرير دموع الأسى التى لما تزل عالقة بالنوافذ ، ثم تتوقف عند مشهد جليل نرى فيه فاطمة بنت الحسين أشهر مغنيات ” العيطة ” فى المغرب ساجدة على الشاطئ الرملى ، تصلى الفجر ، وينتهى هذا الفيلم المشغول بالحنان بلقطة لقرص الشمس البرتقالى يصعد من البحر ، ونستمع إلى تغريد الطيور قادماً من مكان بعيد ممزوجا بأغنية تغنيها الجوقة تقول ” يا مغرب .. يا بلدى الجميل ” هذا الفيلم تحضر فيه شخصية فاطمة بنت الحسين بشكل مؤثر عبر صوتها العذب الذى يهدهدنا ، وشخصيتها القوية ، كقائدة للفرقة ، وحاملة وحافظة لهذا التراث الغنائى المغربى الأصيل فى الفيلم الثانى ” مديح” ننتقل إلى اطلال مدينة رومانية فولوبوليس فى قلب المغرب وفى مواجهتها – بالقرب من مكناس – تقع مدينة مولاى أدريس الأول ” الذى أسس أول مملكة إسلامية فى المغرب . فى موسمه والاحتفال بذاكراه تتحول هذه المدينة الصغيرة الواقعة على جبل زرحون إلى ” بحر ” من الناس
ولمدة ثمانية أيام يعقد ذلك الاحتفال العظيم لمولاى ادريس الأول الذى يستقطب إليه الجمهور من انحاء المملكة من مكناس والرباط و ” الحمدوشية ” و ” العلمية ” وغيرها ، فإذا بهم يأتون إلى هذا المكان بهداياهم وعطاياهم وجماعات للانشاد الدينى فى مدح الرسول الكريم ، وتعقد هذه وتلك حلقاتها فى الساحة الكبرى وداخل المساجد ، وتجرى أسماء الله الحسنى على كل لسان ، وتتدفق شلالا من القلوب العامرة بالإيمان . نستمع فى لقطة من الفيلم إلى شيخ عجوز يشرح لنا ما هو الذكر ، الصلاة ذكر ، والحج ذكر فالذكر على وجه العموم فهو ترديد اسم من أسماء الله الحسنى ويعتبر من أهم الشعائر التى تؤدى فى المواسم والموالد .نشاهد فى لقطة من الفيلم شيخا عجوزا يقفز عالياً مثل شاب فى مقتبل العمر .
وتنطلق المواكب فى ساحات المدينة وهى تحمل اعلامها وشاراتها وطبولها ودفوفها وتصدح الموسيقى فى كل مكان ، ويشترك الجمهور فى الرقص ، وتشتعل المدينة بفرح عميق فتصبح وأهلها جسدا واحدا وروحا متشوقة إلى عناق السماء ، الأطفال يرقصون وهم يشاهدون هذا الموكب الاحتفالى العظيم ، من فوق أسطح البيوت وفجأة تسلط الكاميرا على طفل صغير فى السابعة من عمره اختفى فى الظلام فى زاوية أحد الأبواب . الكاميرا تكاد تلتحم بالأجساد فى لقطات مكبرة .
فى أول لقطة فى الفيلم الثالث وهو بعنوان ” عيدان وملذات ” ” DES LUTHS ET DELICES ” نرى مؤذن مدينة تطوان يؤذن للصلاة من فوق قمة المدينة التى عرفت باسم ” بنت غرناطة ” ثم نعرج على عدة أماكن فى المدينة ، قبل أن ندلف إلى ساحة هذا البهو فى قصر من قصورها . لكى نلتقى الأستاذ الموسيقار عبد الصادق شقارة – من مواليد تطوان عام 1931 – رئيس فرقة اوركسترا الموسيقار عبد الصادق شقرا بأن يكون أحد حفظة هذا التراث الموسيقى العظيم فحسب ، بل أنه علاوة على ذلك ، يطور فيه ، عن طريق تطعيمه بالحان النوع الموسيقى الشعبى المغربى ، وايقاعات الفلامنكو . والحقيقة التى يؤكد عليها هذا الفيلم هى أن المزاج العربى للسماع الموسيقى لا يختلف كثيراً من بلد عربى إلى آخر ، إلا بقدر اختلاف اللهجات الموسيقية ، التى تتباين بطبيعة الحال وتختلف باختلاف الحديث، على الرغم من أنها أيضا نابعة من أصل واحد . أن ” الوصلة ” الغنائية المصرية التى ازدهرت حتى أوائل الثلاثينات من هذا القرن ، تتكون من عزف جماعى لمجموعة الآلات الموسيقية ، ثم تقاسيم على الآلات العربية التقليدية ، العود والقانون والناى ) ثم غناء الليالى والموال ، وأحيانا غناء أحد الموشحات ، ثم تختم ” الوصلة ” بالدور الغنائى المصرى مع مراعاة أن جميع أجزاء الوصلة يجب أن تكون من مقام موسيقى واحد .
نفس هذا التقليد الأدائى يراعى أيضا فى ” النوبة ” الاندلسية التى تحمل الملامح الموروثة من حضارة العرب فى الأندلس ، والتى استقرت فى منطقة المغرب العربى فى تونس والمغرب والجزائر . وبرغم وجود اختلاف أيضا فى مكونات ” النوبة ” فى هذه البلاد فإنه غالباً ما تتكون النوبة الأندلسية – كما يقول مغنى الفرقة فى تطوان – من خمس إلى تسع أجزاء منها ” الاستفتاح” ( موسيقى تشبه التقاسيم وغير مقيدة بإيقاع ) ” والمصدر ” ( مقدمة موسيقية ) و ” الأبيات ” و ” البطايحى ” و ( يشبه الموشح ) و ” التوشية ” و ( هى قطعة موسيقية تعزفها الآلات ) و ” البراول ” و ( هى عدد من التواشيح لا يقل عن اثنين ) و ” الدرج ” و ” الانصراف ” (سلسلة الحان تؤدى بسرعة ورشاقة وحمسا ) و ” الملخص ” أو ” الختم ” و ( هو غناء سريع تختم به ” النوبة ” الاندلسية ) .
ويلاحظ أن هذه الأجزاء المكونة للنوبة الأندلسية تختلف قليلاً فى تونس عنها فى الجزائر أو المغرب ، إلا أن المقامات العربية تكاد تكون واحدة فى جميع الدول العربية ، والاختلاف يحدث فى الأسماء فقط ، فمثلاً كلمة ” مقام ” فى مصر ترادف تماما كلمة ” طبع ” فى تونس . الموسيقى الأندلسية كما يقول مغنى الفرقة لم تتغير قط لان نوباتها محصورة من الناحية الأندلسية فى 24 نوبة لم يتبق منها سوى 11 نوبة واندثرت البقية ، وقد ادخل المغاربة على هذه النوبات نوبات ذكر منها على سبيل المثال ” نوبة ” استهلال وهذا التراث كما يقول مغنى الفرقة ” تراث أصيل يشتمل على أنغام ونبرات موسيقية تهز النفوس .
هذا التراث الأصيل صنعه الرجال والنساء لأنه كان يرفه عنهم ” . تتجول الكاميرا هنا داخل القاعة حيث تعزف الفرقة التطوانية وتقوم الفتيات لكى يرقصن ، وتقطع الكاميرا على مشاهد الحفلات والزواج ، ثم تعود بنا إلى القاعة ونستمع إلى صوت الأستاذ عبد الصادق شقارة يغنى : ” سألتنى ما بال دمعك أسودا ، ووجهك مصفر وأنت نحيل ، فقلت لها أن الدموع تجففت وهذا سواد المقلتين يسيل ” . أجل الحبيب مضى ورحل وها هم الآن يسألون عن اخباره ” اود أن امنحه روحى العزيزة هدية . اعطنى ميعاد . حبيبى اعطنى ميعاد ” هكذا يطلب عبد الصادق شقارة وهو يعزف على كمانه فى آخر لقطة من فيلم ” المغرب اجساد وأرواح ” .
صلاح هاشم
صلاح هاشم ناقد ومخرج مصري مقيم في باريس.فرنسا.مؤسس ورئيس تحرير موقع ( سينما إيزيس ) في باريس عام 2005
admin رئيسية, شاشة باريس, كل جديد, نزهة الناقد 0
بعد أن سرقت منصات العرض الرقمي التليفزيوني مثل منصة ” نيتفليكس” الجمهور في فرنسا ،أثناء فترة الحجر الصحي التي امتدت أكثر من 99 يوما، وصنعت مع منصات العرض الأخري مثل منصة ” ديزني ” و” كنال بلوس وغيرها ثروات هائلة.
بعد إغلاق دور العرض السينمائية ،وتوقف ” الحياة الثقافية ” تماما في البلاد ، ولم يكن هناك بديل، لمشاهدة الأفلام، غير الاشتراك في إحدي المنصات، ومتابعة مخزونها ،من الأفلام الروائية والوثائقية وأفلام التحريك والمسلسلات، ولم يكن هناك أيضا أمام الجمهور، ومن ضمنهم نقاد السينما ،سوى المفاضلة بين منصة وأخرى، بالنظر الى مخزونها السينمائي الفني، مع نشوب ” حرب المنصات”، التي سارعت بعد تفشي وباء الكورونا، وإغلاق دور العرض، الى ابتداع كافة الوسائل الشرعية وغير الشرعية ،لاختطاف و التنافس على استحواذ جمهور السينما..
سارعت الحكومة الفرنسية الآن، بعد رفع احجر الصحي العام الطويل- الذي هلكنا على جميع المستويات، النفسية والفكرية والاقتصادية- إعتبارا من يوم الإثنين 22 يونيو، الى بث فيديو دعائي من إعداد فيدرالية القاعات السينمائية في فرنسا – مدة العرض 60 ثانية – منذ يومين ، بشريط صوت بديع، عبارة عن أغنية ساحرة بعنوان JE REVIENS TE CHERCHER عدت لأبحث عنك من جديد، تقول ” هأنذا قد عدت لأبحث عنك من جديد،، وأنا واثق من أني سأجدك بإنتظاري” للمطرب الفرنسي الكبير جلبير بيكو ، وذلك لتشجيع الناس على الخروج من عزلتهم، وترك “حرب المنصات” المشتعلة، والعودة الى دور العرض السينمائية. هذا الفيديو الذي يضرب في رأينا، على وترين حساسين كبيرين..
على الوتر الكبير أولا، من منطلق أن الحياة السينمائية في فرنسا ، تشكل جزءا كبيرا ، من ” الهوية” الثقافية الفرنسية، وأسلوب الحياة في فرنسا، وعلى الوتر الصغير، من منطلق أن الشعور بـ ” متعة ” السينما الحقيقة، لايتحقق، إلا بتوافر شرطين أساسيين: مشاهدة الفيلم، في قاعة مظلمة، و متعة ” المشاركة “أي مشاركة رؤية الفيلم، مع الجمهور في القاعة..
حيث أن هذا ” الحضور الجماهيري” ،هو الذي يقربنا في الحقيقة أكثر – بالمشاركة – من إنسانيتنا، ويعتبر عاملا ضروري،ا وأساسيا، لتحويل- ميتامورفوس – القاعات الى “كيانات “ثقافية، أو كائنات حية. كيانات تتتنفس وتبض بالحياة ، ولاغنى عنها لحياتنا ” الروحانية “- مثل المعابد- بإتجاه التوحد، مع كل الموجودات والعناصر، ومشاركة حلم السينما الكبير – حضارة السلوك الكبرى كما أحب أن أسميها – في عالم أكثر حبا وعدالة وتسامحا ، ضد الكراهية و ” التعصب ” و” العنصرية ” البغيضة، في ماوراء التلال، وينتهي الفيديو بعبارة تقول :
مرحى، لقد أفتتحت من جديد، هيا بنا الى القاعات
صلاح هاشم
( رئيس تحرير موقع ومجلة ( سينما إيزيس )
admin رئيسية, شاشة باريس, كل جديد 0
بعد أن أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب يوم 28 مايو، إنطلاقة الحياة السينمائية في فرنسا،وإعادة فتح دور العرض، إعتبارا من يوم الاثنين 22 يونيو، أعلنت بعض قنوات ومنصات بث الأفلام على شاشة التليفزيون الصغيرة، مثل محطة ” كنال بلوس ” الفرنسية الخاصة- على لسان مكسيم سعدة رئيس القناة- أنها ستوقف بث الأفلام في ذلك اليوم، إحتفالا بتلك المناسبة..
وكانت هذه المنصات كما هو معروف ،استغلت فترة الحجر الصحي، بسبب إنتشار وباء الكورونا، التي استمرت لأكثر من تسعين يوما في البلاد، وإغلاق دور العرض،وتوقف الحياة السينمائية تماما،لصنع ثروات طائلة، وتحقيق مكاسب هائلة، و التوسع والإنتشار، على حساب دور العرض..
وكان إستطلاع للرأي في فرنسا، كشف حديثا،أن أكثر من 18 مليون فرنسي سيتوجهون يوم الاثنين 22 يونيو الى دور العرض في أنحاء البلاد ،لمشاهدة أفلام الإسبوع السينمائي الأول،في الفترة من 22 الى 30 يوليو، كشكل من أشكال التضامن مع أصحابها..
حيث تكبد بعضهم، خلال فترة الحجر الصحي الطويلة، خسائر هائلة ،وأغلقت دور عرض كثيرة، وسرحت دور عرض أخرى عمالها، وأعلنت- وبخاصة في أقاليم الريف الفرنسي وقراه – عن إفلاسها..
ومع إنطلاقة الإسبوع السينمائي الأول، تخرج مجموعة كبيرة من الأفلام الروائية والوثائقية الجديدة، للعرض التجاري في فرنسا، من ضمنها فيلم “ديجول”، روائي طويل، عن الرئيس الفرنسي شارل ديجول ( من مواليد22نوفمبر1890، وتوفي في 9 نوفمبر 1970)،يعرض لفترة تاريخية مهمة في حياة فرنسا والعالم في فترةالأربعينيات..
حيث خرجت فرنسامهزومة في الحرب العالمية الثانية،وأحتلتها قوات هتلر النازية، تحت إدارة حكومة فيشي، والجنرال بيتان..
حين ظهر فجأة جنرال يدعى شارل ديجول،كان قد ترقى الى مرتبته العسكرية هذه حديثا،ليغير من وجه التاريخ،،حين ظهر في إنجلترا، ودعا الشعب الفرنسي في نداء، بث عبر ميكروفون، لهيئة الاذاعة البريطانية -البي بي سي- الى رفض الاحتلال، وعدم الاستسلام، والمقاومة..
وكانت فرنسا أحتفلت مع انجلترا يوم 18 يونيو، بهذا اليوم العظيم المشهود، في تاريخ البلاد، ومرور 80 عاما، على ميلاد ” صوت المقاومة ” عام 1940. فيلم ” ديجول”يستغرق عرضه ساعة و48 دقيقة، ويضطلع ببطولته النجم الفرنسي لامبير ويلسون، وتشاركه البطولة النجمة الفرنسية إيزابيل كاريه،وهو من إخراج جابرييل لو بومان..
وسنتوقف عن أبرز “أفلام الإسبوع السينمائي الأول” في فرنسا، بعد ” الإنفراجة ” وعودة الحياة السينمائية الى طبيعتها، في رسالة قادمة.
باريس – صلاح هاشم
عن جريدة ” القاهرة “ الإسبوعية الصادرة بتاريخ الثلاثاء 23 يونيو 2020
admin افلام, رئيسية, شاشة باريس, شخصيات ومذاهب 0
admin افلام, رئيسية, شاشة باريس 0
من أقوى الأفلام الأمريكية التي خرجت منذ يومين فقط للعرض التجاري في فرنسا فيلم ” جوكر ” للمخرج الأمريكي تود فيليبس، وبطولة الممثل الأمريكي القدير يواقيم فينيكس، ويشاركه في التمثيل العنلاق روبير دو نيرو، وكان من أقوى الأفلام المنتظرة، التي يتلهف الفرنسيون هنا على مشاهدتها، لسببين: أولا : بسبب الضجة الإعلامية الرسمية التي أثارها الفيلم ” المثير للجدل” حين خرج للعرض في أمريكا، وانقسام النقاد والجمهورالأمريكي بشأنه، ووصفه، بآنه لايمت بصلة للفن، بل مجرد ” بضاعة” تجارية استهلاكية، تحض على العنف الدموي، والثورة وقتل الأثرياء، وإثارة الفتن في البلاد.. وضم الفيلم الى ” القائمة السوداء” للأفلام الأمريكية التي لايوصى بمشاهدتها، تلك الأفلام مثل فيلم ” ولدوا ليقتلوا ” من إنتاج عام ١٩٩٤ للمخرج الأمريكي أوليفر ستون، التي تمجد الشر، وتغري فئة من الشباب والعزّاب الأمريكيين الذين يعيشون بمفردهم ويعانون من عذابات الوحدة، على تقليد بطل الفيلم في توجهاته وقناعاته وسلوكياته ” الشيطانية {،حيث يخلق الفيلم – من وجهة نظرهم – من أمير الجريمة والشر” جوكر” في الفيلم بطلا، بل ” أسطورة” للشر والرذيلة، في مجتمعات الوفرة الليبرالية الأمريكية الإستهلاكية المحافظة.. أما السبب الثاني الذي جعل الفرنسيين يتلهفون على مشاهدة الفيلم،المثير للجدل، فهو حصوله على جائزة ” الأسد الذهبي” ،في مهرجان فينيسيا السينمائي العريق، وترشيح بطل الفيلم يواقيم فينيكس، للحصول على “أوسكار” أحسن ممثل في حفل الأوسكار القادم.. غير أن فيلم ” جوكر ” الجديد، لايريد آن يصنع للشر بطلا ونموذجا يحتذى، بل ينزع عن جوكر في الفيلم الجديد، كل تلك القدرات والمقومات، التي جعلت منه بطلا للشر في أفلام باتمان السابقة، ويضعه في إطار تلك الظروف السياسية والاجتماعية والتاريخية – فترة الثمانينات- التي صنعته، في تلك المدينة الخيالية ” جوتام”، حيث تقع أحداث الفيلم، ويجعل منه إنسانا وبشرا من جديد، وإبنا لتلك الظروف التي جعلت منه مجرما.. وهي تلك الظروف التي لاتختلف كثيرا، كما يظهر في الفيلم ” الفطن “عن تلك الظروف التي يعيشها المجتمع الأمريكي برئاسة دونالد ترامب الآن، وبكل ما فيه من تناقضات، وإهمال للمرضى الذين يطلبون المزيد من العلاج كما في حال ” جوكر ” المريض المجنون في الفيلم، وإستغلال فاضح للطبقات الفقيرة المهمشة والمهاجرين، وعنف دموي قبيح، وكره للأجانب.. .. يقدم الفيلم إذن نوعا من ” السيرة الذاتية” بواقعية مذهلة ،لشاب مريض ويعالج من الجنون، وكان يتمنى فقط ” أن يحبه الناس، وأن يصبح ممثلا فكاهيا مشهورا في عرض فكاهي ضاحك في التليفزيون ” غير أن ظروفا موضوعية، شاءت غير ذلك، وتعمل تلك السيرة وتشتغل في الفيلم على” تفكيك” شخصيته، من خلال التفتيش في أصله، وفصله، تاريخه وذاكرته..
يعود الفيلم الجديد- كمبحث وتحقيق في ” هوية ” الجوكر – الى فترة الثمانينيات، في مدينة ” جوتام”- التي تشبه مدينة نيويورك – ويحكي لنا عن شباب “جوكر ” ،والمدينة القذرة التي أنجبته ، والظروف التي صنعته، وجعلت منه مجرما ،في نظر سادة المدينة وحكامها،و ” بطلا ” للمعذبين في الأرض، من الخدم والعبيد، المحرومين من الحب والرعاية الطبية والأمن.. فيلم” جوكر” أو ” جعلوني مجرما” المحمل بالعديد من الإشارات والارتباطات الفنية، ويحيل في بعض مشاهده الى أفلام للمخرج الأمريكي العملاق مارتين سكورسيزي مثل فيلم ” سائق التاكسي” .. هو أحد أهم الآفلام التي تعرض لوجه أمريكا القبيح، خلف القناع ،الآن ، حيث يصبح الموت فقط، كما يقول ” جوكر ” في الفيلم ، وبسبب الظروف، هو الشيء الوحيد على مايبدو، الذي يمنح لكل الفقراء، والمظلومين، والمهانين، والمعذبين في الأرض، من أمثاله، قيمة ومعني، للحياة ذاتها، في الأرض الخراب..اللعنة. ” جوكر” فيلم ” سياسي”رائع٫ يشمخ فيه يواقيم ينيكس بتمثيله، ليصبح ” أيقونة”، ويستحق المشاهدة عن جدارة..