لقاء مع الناقد صلاح هاشم وسحر السينما المصرية الخفي في فيلم جديد ( صبحي شفيق.سينما مصر وسؤال الهوية) . بقلم ولاء عبد الفتاح



admin افلام, رئيسية, كل جديد 0
admin Uncategorized, رئيسية, نزهة الناقد 0
من أجمل وأعمق وأمتع الأمسيات الثقافية، التي حضرتها في مصر أم الدنيا بعد عودتي من رحلة يومين الى الغردقة، الندوة التي اقيمت في مكتبة خالد محي الدين بمبنى حزب التجمع في وسط البلد يوم الثلاثاء 17 يناير لمناقشة كتاب (لماذا يخذل الشعر محبيه) للشاعر الكبير محمود قرني، من تنظيم منتدى المستقبل للفكر والإبداع
التي شارك فيها الكاتب والمفكر نبيل عبدالفتاح، والروائي والناقد أحمد الفيتوري، والناقد د.يسري عبد الله وأدارها الإعلامي عمرو الشامي، وبحضور نخبة متميزة من المثقفين، والمبدعين وشاعرنا المصري الكبير محمود قرني.
وكنت أتمنى أن تدوم يومين أو هكذا من فرط جمالها، فقد بدت لي بمداخلاتها للأساتذة الأجلاء نبيل ويسري والفيتوري وتقديم عمرو الشامي
مثل حفل موسيقي للإحتفاء بالكتاب وقصيدة النثر وماهية الشعر ، والعزف على وتر ثيماته ،ونساؤلاته وأطروحاته، كما في فرقة من فرق موسيقى الجاز، التي تعزف لحنا شجيا، ويتبارى فيه العازفون بعزفهم وتقاسيمهم على اللحن الأصلي في العنوان، لماذا يخذل الشعر محبيه.
ولم تكن المبارة في العزف في الندوة، كما تمثلتها وهضمتها، حديثا عن الشعر فقط بالنسبة لي،بل حديثا أيضا عن السينما، فكرها وفنها، أصلها وفصلها، مبغاها وجدواها، وتجلياتها الصوفية ووروحانيتها العميقة- كارل دراير. جريفيث. بريسون .كيروستامي. تيرانس مالك – لتفلسف وجودنا الحي و كذلك كل الفنون التي تطرح تساؤلات الهوية والغياب والحضور والغموض والعزلة ، في زمن التحولات الكبرى، على طريقة كل الشعراء المشائين الكبار: من أمثال والت ويتمان وأوراق العشب وإليوت والأرض الخراب وأدونيس الثابت والمتحول، و لتضمهم وتضمنا معهم في عتاق أبدي.
اليقين الواحد: أبدا لن يخذل الشعر محبيه.
صلاح هاشم
كاتب مصري مقيم في باريس.فرنسا.مؤسس موقع سينما إيزيس عام 2005 في باريس.فرنسا
admin Uncategorized, رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
الثورة الرقمية، وتطوراتها السريعة، تسهم فى إشاعة حالة من الفوضى فى الحياة الثقافية، والسياسية، والاجتماعية فى عالمنا العربى، لأنها فتحت المجال واسعا أمام تفجر المكونات السوسيو-نفسية، الفردية، والجماعية للجموع الرقمية والفعلية الغفيرة التى خرجت من المجال العام الفعلى المغلق، أو المحاصر إلى الحياة الكونية
كل تفاصيل الحياة المعلن منها، والمستور، والمكبوتات، والشرور، والكراهية، والعنف -والرغبات، والحواس الملتاعة، والأخيلة الحواسية المضطربة – والتابوهات باتت مطروحة على وسائل التواصل الاجتماعى، تحت الأسماء الحقيقية، أو الأسماء المستعارة. بات الفرد الرقمى قادرا على التعبير عن مكبوتاته، ورغباته، دونما سيطرة، لكنه تحت رقابة الشركات الرقمية الكبرى التى توظف المعلومات والمواد والرغبات، والـBig data للشركات الكبرى، توظفها فى إعادة إنتاج السلع، والخدمات بناء على هذه المواد المباعة لها. من أبرز الآثار السوسيو- ثقافية للثورة الرقمية فائقة التطور، تمثلت فى تقويض بعض المكونات الثقافية فى عديد من ثقافات العالم العربى، وغالب عالمنا كله، وذلك من خلال ما يتم تداوله فى الحياة الرقمية، من قيم ورغبات وجماعات، وسخرية، ونقد الطبقات السياسية، وذلك على الرغم من خضوع الحياة الرقمية للرقابة السياسية.
سياسة الاتجاه/ التريند Trend Politics، يستخدمها أيضا بعض الأفراد الرقميين، والفعليين، وفق آرائهم وتوجهاتهم السياسية . الأهم أن بعض القوى والجماعات الإسلامية تستخدم سياسة التريند المضاد، فى الهجوم على السلطة الحاكمة وأجهزتها، ورموزها البارزة، وفى التشكيك فى سياساتها، الاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، وإظهار بعض المعلومات الصحيحة، أو الكاذبة، مع القدح فى الذمم والنوايا، وعلاقات الحكومات ببعض الدول الغربية الكبرى، أو إظهار بعض المعلومات عن مفاوضات سرية لها، بالحق أو الباطل! الهدف واضح هو إيجاد حالة من عدم الثقة بين المواطنين، والحكم، وتوسيع فجوات عدم المصداقية .
هذه الظواهر الرقمية، وتراكماتها باتت مؤثرة على الحياة الفعلية، ولها بعض الإيجابيات التى تتمثل فى كشف الفساد الفردى، أو السلطوى، والكشف عن بعض التواطؤات السلطوية فى عدم تطبيق القانون، أو الالتواء به لمصلحة بعض رموزها، وأيضا فى الكشف عن انتهاكاتها للحريات العامة، والفردية..الخ. من ناحية أخرى تكشف عن سياسة صنع الأكاذيب من بعض المعارضات العربية، وجماعاتها بما فيها الإسلامية السياسية، والسلفيون. الأهم أنها تكشف عن مستويات العقل السياسى السائد سلطوياً، ومعارضا، وأزمات الفكر السياسى، وجموده وطابعه النقلى سواء الدينى، أو شبه العلمانى، أو السلطوى. كشفت الثورة الرقمية عن لاتاريخية غالب هذا الفكر.
أسهمت وسائل التواصل الاجتماعى، وطوفان المنشورات، والتغريدات، والصور، والفيديوهات القصيرة المتلاحقة فى تسليع بعض الحالة الرقمية من خلال استخدام الأفراد، لوسائل التواصل فى تقديم فيديوهات الغرابة، وتحدى الذوق العام وفى الانكشاف الشخصى، أو فى إظهار بعض الخلاعة او الغرابة فى الفيديوهات، والصور، والأغانى، والموسيقى المصاحبة للفيديوهات فى تجميع من يحبون هذه الفيديوهات، وذلك بهدف الحصول على المال من الشركات الرقمية الكونية.
ما أثر هذه الظواهر على الأفراد والجماعات الفعلية أيا كانت؟ لا شك أنها أسهمت فى انكشافها، ونهاية الخصوصية، وأيضاً فى فرض قيم مضادة، أو مغايرة للقيم الاجتماعية السائدة فى المجتمع الفعلى، وكسر مفاهيم البطريركية، والتماسك الأسرى، وبعض المفاهيم والسرديات الدينية الوضعية التى يروج لها بعض رجال الدين والسلفيين، ونقدها، وأحيانا السخرية منها لفقدانها المنطق، ولأنها محضُ حكايات شعبية، ومرويات يرمى بها رجل الدين التأثير على الجماهير الغفيرة من البسطاء، لكى يسيطر، ويؤسس لمكانته! لا شك أن القيم الجديدة، تتصادم مع السائدة فى الواقع الفعلى، ويدافع عنها كبار السن، وسلطات الدولة تحت مفاهيم المصلحة العامة، والآداب العامة فى نظامها القانونى.
الواقع الافتراضى، وبعض فوضاه تؤثر على الواقع الفعلى، لاسيما مع الأجيال الجديدة الشابة، التى يتغير سلوكها الفعلى وبعضه مع التغير القيمى، والثقافى الرقمى، و من ثم يؤدى ذلك إلى إشاعة بعض من الفوضى، وكسر لبعض قواعد النظام الاجتماعى السائدة، والموروثة، والصراع الحاد بين القيم السائدة والجديدة المضادة لها، وهو ما يؤدى إلى توترات حادة، وبعض الظواهر الاجتماعية الجديدة. من بينها زيادة معدلات العنف الأسرى، وعدم الرضا داخل مؤسسة الزواج، بالنظر إلى متابعة بعض المواقع الإباحية، وارتفاع معدلات الطلاق على نحو يبدو استثنائياً! الأخطر توظيف مواقع التواصل فى توثيق عمليات قتل، وعنف، وانتحار! من ناحية ثانية: ارتفاع معدلات الجريمة، وطابعها الاستعراضى فى قتل بعض الصديقات اللائى رفضن الارتباط بالشاب القاتل- أو جرائم قتل الأمهات والآباء من أبنائهم! بالنظر إلى تفاهة الأسباب المؤدية لذلك، وقتل بعض الآباء للأبناء الصغار، وازدياد الخيانات الزوجية، وتسجيل بعض اللقاءات الحميمية مع بعض السيدات، والفتيات، من خلال كاميرا الهاتف المحمول، وتهديدهن بها..الخ.
لا شك أن هذه الظواهر الرقمية، وآثارها تحتاج إلى البحث السوسيو- نفسى، لأنها مهمة للمشرع، والسلطة التنفيذية، والنظام التعليمى، والأسرة، والإعلام حتى يمكن وضع سياسات لاحتوائها وضبطها او التكيف معها فى الواقع المتغير.
بقلم
د.نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح كاتب ومفكر وباحث إستراتيجي مصري مقيم في القاهرة
عن جريدة ” الأهرام ” بتاريخ الخميس 19 يناير 2023 لـ”مختارات سينما إيزيس”
admin Uncategorized, افلام, رئيسية, مختارات سينما ازيس, نزهة الناقد 0
admin Uncategorized, اصدارات كتب, رئيسية 0
حسن حداد عاشق حقيقي للسينما.
مخلص ووفيّ، منذ أن عرفته صغيراً. لا شروط لديه في حب السينما. من يحب لا يشترط، ولا ينتقي، ولا يفرز، ولا يقارن، ولا يستبعد. قد يحدث هذا في مرحلة التقييم والتفضيل، أو عند التحليل والنقد، أو عند التحكيم.. أي في مرحلة ما بعد المشاهدة.
هو مدمن على مشاهدة الأفلام، بكل أنواعها وجنسياتها، القديمة والجديدة، العظيمة والعادية. مغرم بها. وقد ترجم ولعه بالأفلام إلى محاولة الكتابة عنها، في وقت مبكّر. كل من يحب السينما، تستبدّ به فكرة الكتابة عنها.. تماماً مثل العاشق الذي يهيم بفكرة الكتابة إلى، وعن، معشوقته.
كل كتابة عن فيلم هي رسالة حب موجّهة إلى الفيلم وإلى صانعيه.. أو هكذا ينبغي أن تكون الكتابة.
وحسن حداد لم يكتفِ بالمشاهدة فحسب، بل كتب عن الأفلام، وانغمس في ذلك حتى صار مدراء تحرير الصحف والمجلات يستعينون به في تحرير الصفحات السينمائية.
ولم يكتفِ بالمشاهدة والكتابة فحسب، بل أراد أن يحتفظ بكل ما يُكتب عن الأفلام والمخرجين والممثلين، وبقية العناصر الفنية المشاركة في صنع الأفلام، إضافة إلى الدراسات النقدية والتحليلية، والمقالات الانطباعية، والمقابلات والشهادات والأخبار.
بدأب وصبر ومثابرة، كان يجمع الأوراق والقصاصات، ويحتفظ بها في ملفات كبيرة، مصنّفة بدقة ووضوح، لتتراكم مع الوقت، وتصبح أعداداً هائلة.
هكذا كان دأبه لسنوات طويلة. كرّس نفسه ووقته وجهوده في إنشاء وتكوين هذا الأرشيف الخاص، الضخم، المتعدّد والمتنوّع، والذي لم يبخل به على أي شخص يرغب في الاستفادة منه.
كلما احتجنا إلى معلومة أو مادة سينمائية، تكون مصدراً ومرجعاً وعوناً لنا، في بحوثنا ودراساتنا وتحقيقاتنا، طرقنا بابه الذي ينفتح مرحّباً، ليسعفنا أرشيفه فيزوّدنا، بكل سخاء وودّ، بما ينقصنا، وبما نحتاجه. وأنت تتصفّح، ستجد معظم الصفحات الثقافية والفنية، التابعة للجرائد والمجلات العربية والمحلية، محفوظة ومرتّبة هنا بعناية وحرص.
عندما دخل حسن حداد عالم الكومبيوتر، وجد ما لا يُحصى من إمكانيات وخيارات، ودقة لا متناهية في الحفظ والتخزين. صار بوسعه، وفي أوقات وجيزة وسريعة، أن يطوّر أرشيفه.. ليس كمياً ونوعياً فحسب، بل أيضاً جمالياً. المئات من الملفات الضخمة يمكن اختزالها، بضغطة من طرف اصبعه على المفتاح، إلى ملف إليكتروني قابل لأن يختزن ما لا يُعد من وثائق ومخطوطات ومعلومات ثريّة ومتنوعة.
هكذا تحوّل الأرشيف إلى موقع إليكتروني خاص سمّاه “سينماتك”، فيه يجد المتصفح معظم ما يُنشر في المطبوعات السينمائية، والثقافية الأخرى، من دراسات وبحوث ولقاءات وأخبار وغير ذلك من المواد السينمائية المهمة والمفيدة.
هذا الموقع يحرّره ويديره وينظمه ويشرف عليه حسن حداد وحده، لكن من يطالع الموقع يحسب أن هناك فريقاً كاملاً من المحررين والفنيين يتولون مهمة الاعتناء بالموقع وتفعيله وإخراجه بالشكل اللائق والمريح. وقد لا يصدّق أن فرداً واحداً لديه كل هذا الاستعداد لتكريس جلّ وقته، وبذل كل طاقاته وجهوده، من أجل استمرار الموقع في العطاء والتأثير، من دون أن ينتظر تكريماً أو دعماً من أية جهة. تكفيه إشادات ومدائح المتابعين له، والذين يدركون مدى قيمة وأهمية ما يفعل.
ومثلما لم يخذلنا وقتما كان الأرشيف في شكله البدئي، كذلك لم يوصد أبوابه في وجوهنا وقتما نما موقعه واشتدّ عوده واكتسب حضوره الفاتن بين المواقع السينمائية المنتشرة والمتعدّدة. لقد وجّه الدعوة لعدد من كتّاب السينما كي يحلّوا ضيوفاً على الموقع، وخصّص لكل منهم حيّزاً خاصاً ينشر فيه كل مواده السينمائية، بلا قيد ولا شرط. صار الأرشيف يتناسل ويتعدّد في هذا الفضاء الشاسع.
الأرشيف حفظ للماضي، وصون للذاكرة.
ولع حسن حداد بالأرشفة والحفظ، ومحاولته المستمرة لشحذ الذاكرة، حتى لا يغلب النسيان شظيةً من هذه الذاكرة، جعلته يلجأ إلى حفظ الأفلام التي شاهدها، وأعجب بها وتفاعل معها، في هيئة كتاب، أو بالأحرى كتاب في ثلاثة أجزاء، نظراً لضخامة عدد الأفلام التي تناولها بالتحليل والنقد، ووضع للكتاب عنواناً ذا مغزى يتصل بالحفظ والصون، هو “أفلام لا تغادر الذاكرة”.
من العنوان ندرك رغبة المؤلف في أن تبقى الأفلام، المقدّمة بين طيّات الكتاب، ضمن تخوم الذاكرة والتذكّر والتداول، مثلما كان يرغب في حفظ المعلومات والمواد داخل حدود الأرشيف لئلا ينال منها غبار النسيان والعدم.
من هنا جاء تركيزي، في هذا التقديم، على الأرشيف، وعلى تغليب حسن حداد مظهر التذكّر على النسيان، الحفظ على التشتت، ما هو ظاهر على ما هو كامن.
بقلم
أمين صالح
أمين صالح شاعر وكاتب وناقد ومترجم بحريني
**
عن موقع ” سينماتيك حسن حداد ” الضروري
admin Uncategorized, رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
admin Uncategorized, اصدارات كتب 0
يعيد الباحث والمفكر نبيل عبد الفتاح، مساءلة الحرية في إطار متلازمة فكرية ثلاثية الأبعاد والرؤى، تتمثل في علاقتها بالثقافة كمكون أساسي لها، وشرط من شروط نضجها وتقدمها، وفي علاقتها بالحقيقة باعتبارها التجسيد الأمثل للأفكار والرؤى، ثم علاقتها بالواقع الراهن: حقيقة ما كان في الماضي، وما هو كائن بالفعل، واستشراف ما يمكن أن يكون عليه في الغد والمستقبل.
من هذا المنظور ينفتح كتابه «الحرية والحقيقة – تحديات الثقافة والمثقف المصري»، الصادر حديثاً عن دار «ميريت» بالقاهرة، على الثقافة المصرية وأزماتها، ويرى أنها تراوح ما بين فعلين؛ أحدهما ساكن ينتمي للماضي، والآخر متحرك، يحاول اللحاق بالمنجز الكوني المعرفي المتمثل في الرقمنة، والذكاء الصناعي، والإناسة الربوتية، وعالم ما بعد الحقيقة، وغيرها من منجز التكنولوجيا والإنترنت.
يقع الكتاب في 433 صفحة من القطع المتوسط، وتناثرت في صفحاته شذرات فلسفية تدور حول معنى الحقيقة وعلاقاتها بالواقع والأفكار لنيتشه، باشلار، ديكارت، هيوم، فوكو، سارتر، وإدوارد سعيد.
وعبر 6 أبواب تنطوي على مجموعة من الفصول، يعالج نبيل عبد الفتاح، موضوعه ومبحثه الأثير في ظل تغير الرؤى والسياسات الثقافية، والتحولات المتسارعة غير المألوفة، على مستوى العالم، إقليمياً ودولياً ومحلياً، التي لا تزال تشكل صدمة للعقل، سواء في سعيه للرصد والتحليل والمقاربة النقدية، أو في مغامرته للتسلح والتحصن بأطر وأفكار جديدة، تشكل حافزاً للإبداع والثقافة، على قاعدة الحرية، من دون شروط مسبقة سوى ما تجترحه وتفرضه بقوة الدفع الإنساني للوصول إلى الحقيقة.
تبدو الحالة المصرية في الكتاب بمثابة معمل اختبار لكل هذه الرؤى، حيث يشكل حاجز الحرية والعقل النقدي المستنير التحدي الأساس أمام المثقف والثقافة معاً، في محاولة لكسر «هيمنة العقل التسلطي السلفي، الأسير وراء أوهامه المتعددة».
في الباب الأول، الذي حمل عنوان «أزمات الثقافة والسياسة الثقافية الرسمية»، يستعرض الكتاب دور الثقافة في التنمية ومشروعاتها، وفي الارتقاء بالوعي السياسي للمواطنين، والنخب السياسية – المعارضة والحاكمة. ويرجع غياب هذا الدور عن الفهم والإدراك لعدة أسباب من أبرزها: غلبة الوعي البيروقراطي على تشكيل النخبة السياسية ومصادر تجنيدها، وانفصال السياسة التعليمية ومناهجها عن المكون الثقافي والتكوين الجمالي، والخلط والمزواجة بين التعاليم الدينية والوضعية، والمناهج المقررة.
كما يرصد التحولات التي طرأت على الثقافة وسياساتها في مرحلة الثورة والانتقال، وذلك في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 1911، التي أطاحت بنظام مبارك بعد 30 عاماً من الحكم، وشهدت زخماً هائلاً من التوترات الأمنية والمواءمات السياسية طالت كل شرائح المجتمع، خصوصاً مع وضعية الثورة الانتقالية، والمخاطر الداخلية التي واجهتها، ووقفت عثرة في وصولها لأهدافها، وكان من أبرزها – حسب الكتاب – عدم استقرار التشكيلات الحكومية نتيجة الحالة الأمنية المضطربة، وتعدد وزراء الثقافة خلال فترة زمنية وجيزة، وعدم التصدي لبعض أشكال الفساد الوظيفي داخل هيئات الوزارة المختلفة، وهو ما انعكس بدوره على مجمل الأنشطة والفعالات الثقافية.
ينظر نبيل عبد الفتاح إلى عدم الاستقرار الذي شاب هذه الفترة من زاويتين ملتبستين ومتناقضتين؛ الأولى تكمن في المد الثوري الثقافي الذي ارتفعت وتيرته وغليانه في أعقاب «ثورة 25 يناير»، ثم مرحلة بروز التيارات الإسلامية السلفية، وصعود «الإخوان المسلمين» إلى الحكم، ويشير هنا إلى: «قيام بعض المثقفين بالاعتصام في مكتب وزير الثقافة الذي تم تعيينه من قبل جماعة (الإخوان المسلمين) وأيده السلفيون، وذلك للحيلولة دون (أخونة) العمل الثقافي، وتديينه سياسياً».
ويخلص بعين راصدة متفحصة إلى أن أداء وزراء الثقافة المتعاقبين منذ ثورة 25 يناير 2011 وما بعدها، لم تكن لغالبيتهم رؤية أو تصور للسياسة الثقافية في المرحلة الانتقالية، ومن ثم سارت «سياسة اليوم بيومٍ والإدارة اليومية للعمل البيروقراطي داخل الوزارة، دونما إنجازات حقيقية لبعضهم»… (ص 45). ويرى أن «النزعة التجريمية والسياسة العقابية المغلظة تبدو في النصوص (الدستور) التي تنظم حرية الرأي والتعبير، وحرية التدين والاعتقاد، على نحو يخالف جوهر هذه الحريات، وبما يؤدي إلى فرض قيود عليها، بعضها في العقاب، والأخرى في التطبيق القضائي، من حيث توجهات أعضاء الجماعة القضائية من ذوي الاتجاهات المحافظة».
تمتد هذه الرؤية في الكتاب إلى ما قبل هاتين المرحلتين الانتقاليتين، راصداً تحولات الثقافة المصرية مع بدايات النهضة الحديثة في عصر محمد على وأسرته، وانفتاح منجز التحديث آنذاك على الغرب الأوروبي، مع الوعي بخصوصية الحالة المصرية والالتفات إلى مكوناتها التراثية ومقوماتها الذاتية والحضارية، ثم يتابع بالرصد والتحليل ما طرأ عليها في عهود: عبد الناصر، والسادات، ومبارك، موضحاً كيف تحولت من مكون وطني دافع للنهوض بوجدان المجتمع سياسياً واجتماعياً، ليتم النظر إليها – خصوصاً في عهدي السادات ومبارك – باعتبارها ترفاً ومصدراً للفوضى والقلق، وأنه لا بد من تدجين المثقفين. ومن ثم برزت فكرة غواية المثقفين بحزمة من المنافع الشخصية الصغيرة، ليدخلوا عبرها «الحظيرة»، حظيرة السلطة – حسب تعبير وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني آنذاك، وبذلك يسهل احتواؤهم من قبل السلطة، ويصبحون عنصراً تابعاً، بل خادماً لسياستها المتسلطة.
وهو ما أدى – حسب الكتاب – إلى تراجع صورة المثقف النقدي المستقل عن السلطات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، فأصبحت صورة مشوشة «ساهم فيها كثيرون ممن أدمنوا غوايات جهاز الدولة الثقافي، رغم مناورات بعضهم بالنقد أحياناً والمجاراة أحياناً أخرى». ويلفت الكتاب إلى تفاقم هذه الصورة، بخاصة من قبل الجماعات الإسلامية السياسية والسلفية، واستخدام العنف، والسعي إلى إضعاف دور المثقف الحقيقي ومكانته، ومحاولة اغتياله، وهو ما تعرض له عدد من الرموز الثقافية، المناهضة للسلطة والإرهاب السلفي تحت عباءة الدين.
يراكم الكتاب أبعاد هذه الصورة عبر فصوله، ومن خلال الرصد والتحليل والتقصي لملامحها، وما أفرزته من ظواهر متباينة، ويسلط عليها الضوء من زوايا خاصة ووجهات نظر متعددة، أثرت في الدور والفعل الثقافي المصري، وحدت من اتساعه وتأثيره في محيطه العربي الإقليمي، خصوصاً بعد الطفرة النفطية في عدد من الدول العربية، الخليجية على وجه الخصوص، وفوائض رأس المال المتنامية، وبروز أدوار ثقافية جديدة يساندها سخاء في الجوائز الأدبية بالدول الخليجية مما جعلها محط أنظار المبدعين العرب. ولم يقتصر هذه الدور على منافسة مراكز الثقل الثقافي التاريخية، سواء في القاهرة أو بيروت أو بغداد أو دمشق، إنما أصبح يهددها بالتهميش. أضف إلى ذلك الصعود اللافت للمركز الثقافي المغاربي منذ عقد الثمانينات، وحتى العقدين الماضيين من الألفية الجديدة. وحسبما يذكر الكتاب: «حدث تحول في مراكز الإنتاج الفكري في العالم العربي، من خلال ظهور دور الجماعة الثقافية في المغرب، في مجال الفلسفة والدراسات حول العقل العربي – محمد عابد الجابري – وفي مجال القانون والدراسات السوسيولوجية، وبعض التجارب الفنية في المسرح. في تونس تطورت الدراسات الإسلامية الجديدة في المدرسة الفكرية التي أسسها عبد المجيد الشرفي وتلامذته».
ضمن هموم الواقع الثقافي، وفي خضم هذه التغير والتطور وتقنيات عالم الرقمنة يطرح المؤلف مقاربات فكرية جديدة حول المعرفة والأسئلة الكبرى التي تشكل جذورها، وذلك بحثاً عن نموذج معرفي عربي «يمكن أن نوظفه في لغتنا، ومفرداتنا وأوصافنا، ويصبح جزءاً من إنتاجنا العقلي والنظري والتطبيقي، وينمي قدرتنا على الوصف والتفسير والتحليل والتركيب»، محذراً من مخاطر غياب الثقافة في حياتنا، وأنه «وراء أي فقر سياسي غياب ثقافة لدى منتج الخطاب».
تبقى في هذه الإطلالة ملاحظات حول اعتصام المثقفين المصريين الذي كان المؤلف في القلب منه، ومع ذلك أشار إليه بشكل عابر لا يتجاوز السطرين. من هذه الملاحظات أن ذلك الاعتصام الذي استمر نحو 40 يوما وشارك فيه كبار الكتاب والمثقفين والفنانين شكل استثناء غير مسبوق في تاريخ الثقافة المصرية، كما أنه فعل حرية بالأساس، حرية الثقافة والمثقفين، التي لا تنفصل بالضرورة عن حرية الوطن، ثم إنه كان محاولة لاستعادة حقيقة مستلبة وغائبة. كما شكل ميزاناً لطبيعة المثقف المصري ودوره في العمل الجماعي الوطني، وغيرها مما ينصب في موضوع كتابنا هذا. ومع ذلك يبقى السؤال الجوهري: لماذا نجح الاعتصام في الحشد، وفشل في اختبار النوع: فبرغم هذا الزخم، لم يستطع المثقفون فرض أو اختيار وزير ثقافة من بينهم بعد الإطاحة بـ«الإخوان المسلمين»، وظل الحال كما هو عليه في وزارة الثقافة. انتهى الاعتصام وعاد المثقفون إلى طبيعتهم النخبوية العشوائية ومصالحهم الشخصية الضيقة. لذلك فإن ما قبل الاعتصام وما بعده يشكل خلاصة مهمة يمكن من خلالها استبيان وضعية وحقيقة المثقف والثقافة المصرية في لحظة شائكة ومصيرية، كان بوسع الكتاب أن يخصها بمبحث واسع، خصوصاً أنه وضع هذه الثقافة فوق ميزان الحرية والحقيقة في ضوء رؤية ومنهج سديدين.
سألني الشاب عمرو من الأسكندرية :
إستاذ صلاح ، ما سر تسميتك لموقع ” سينما إيزيس “، الذي تأسس في باريس.فرنسا عام 2005 ، بهذا الإسم ؟
سينما إيزيس تتمنى لكم في 2023 عاما سعيدا
سينما إيزيس الجديدة
موقع سينمائي عربي ، تأسس في باريس .فرنسا عام 2005 ،ويعني بفكر السينما المعاصرة، وفنون الصورة ، ويطرح رؤية للثقافة والحياة
المؤسس ورئيس التحرير
الكاتب والناقد السينمائي
صلاح هاشم مصطفى