رئيسية
شادي عبد السلام.هؤلاء علموني بقلم صلاح هاشم مصطفى
كان شادى عبدالسلام – من مواليد الاسكندرية في 15 مارس 1930 وتوفي في 8 اكتوبر 1986 – عندما التقيت به في فترة الثمانينات في مصرفي مكتبه، يحمل عدة بطيخات فى يد واحدة ،فقد عمل فى الديكور، وتصميم الملابس السينمائية، ومستشارا لــــ ” الاكسسوار ” التاريخى ، كما عمل فى الاخراج، وعندما أخرج فيلمه ” المومياء” صعد بالسينما المصرية الى القمة، وكنت شاهدت رائعته في نادي سينما القاهرة في فترات الستينيات المجيدة، ولانه مضطلع تماما على شئون وشجون السينما المصرية،فهو لا يخفى أيضا في حديثه معي هنا أن الجزارين وتجار البطاطس واصحاب التاكسيات ،دخلوا ميدان الانتاج السينمائى المصرى ، ليقدموا سينما جد تجارية وفى منتهى الابتذال ..
لم تعد القاهرة – عنما التقيت به في فترة الثمانينيات، وكان يشغل آنذاك مهام مدير المركز القومي للأفلام التسجيلية في القاهرة – تحتفل بأى عيد كان ..
الحركة ..وتلك الأضواء التى تلمع فى الليل فى شارع 26 يوليو.. لا تعكس أي مظهر كان من مظاهر البهجة، وإعلانات الأفلام تتصدر واجهات بعض المحلات التجارية..وتطل عليك أينما أتجهت، وسط البلد ، ومن عناوينها سوف تفهم كل شئ، الموضوعات ذاتها، والقصص القديمة المهترئة والمكررة..خبط الحلل والترويج العلني للهراء العام..
أتجهت مع صديقى داخل الممر الضيق فى شارع 26 يوليو ،الذى يفضي إلى مدخل العمارة، ودلفنا إلى المصعد . وعندما ضغط صديقى على الدور الثامن، أهتز المصعد اهتزازاً شديداً ، وأحدث فرقعة مدويا ، ثم تحامل على نفسه، وجرنا معه إلى الدور الثامن فى تلك العمارة العالية التى يسكنها مخرج مصري عبقري- هؤلاء علموني، إسمه شادى عبدالسلام ..
يسحب شادي نفسا عميقا من سيجارته،ويراقب حلقات الدخان المتصاعدة . ويسرح بعيداً جداً ، ثم يلتفت إلي ويقول :
أنا يا سيدى من مواليد 1930 .. مهندس معمارى .. خريج كلية الفنون الجميلة سنه 1955 . كانت تجربتى الحقيقية مع السينما.. وليس مع الهندسة . ذهبت إلى لندن . ودرست الدراما فى ” الأولدويتش ” ..ثم عدت إلى مصر سنه 1956 . صممت ديكور وملابس فيلم ” خالد بن الوليد ” ، وصممت ديكور بعض الأفلام المصرية قبل أن اقوم بتنفيذ ديكورات الجزء البحرى من فيلم ” كيلوباترا “، الذى أخرجه المخرج الأمريكي جوزيف مانكويتش.قمت بتنفيذ ديكور السفينة وخيمة كليوباترا والأسطول فى روما ..
وفى روما ..التقيت المخرج البولندى كافاليروفيتش، الذى كان يستعد لاخراج فيلمه ” فرعون “، وكان شاهد فيلم كليوباترا، فتعاقد معى على العمل مستشاراً للملابس والديكور والاكسسوار التاريخى لفيلم ” فرعون ” .. وبعد الانتهاء العمل من الفيلم عدت إلى مصر ، وصممت ديكور وملابس فيلمى ” وإسلاماه ” و فيلم” صلاح الدين وكتبت سيناريو ” المومياء ” ، ولما جاء المخرج الإيطالي العظيم روسوليني إلى مصر، ليصور جزءاً من فيلمه عن تاريخ الحضارة ، طلب من معاونيه أن يبحثوا عن مهندس الديكور المصرى، الذى عمل فى فيلم ” فرعون ” البولندى، فلما التقيته طلب منى أن أعد له ديكور وملابس فيلم “الحضارة ” ، وكانت هذه هى ، نقطة التحول فى حياتى .
– لماذا ؟
لأن روسيليني مخرج ” روما مدينة مفتوحة “، هو واحد من أعظم المخرجين فى تاريخ السينما المعاصرة، و “سينما الواقعية الايطالية ” خصوصاً. كانت بالنسبة إلى مدرسة سينمائية عظيمة، و أبوابها مفتوحة لي على مصراعيها ..
فى الأفلام الأجنبية الثلاثة الكبيرة ” كليوباتراً ” و ” فرعون ” و ” الحضارة ” ، عشت ست سنوات كاملة فى الخارج ، ثم عدت بعدها الى مصر، لانفذ فيلم ” المومياء “، ولاخرج من بعده الأفلام القصيرة ” الفلاح الفصيح ” و ” آفاق ” و ” جيوش الشمس ” ، وأنا أشغل حالياً مدير المركز القومى للأفلام التسجيلية ..
ويتابع :
فيلم ا”لمومياء “صدم الكثيرين فى مصر، لاننى لم ” أفصّل ” الفيلم بمقاييس الفيلم المصرى التقليدى ، الذى أعتاد عليه جمهورنا .. وكل مشكلة فيه لها حل … ونهاية سعيدة . فيلم المومياء يطالب الجمهور بالتفكير والتأمل، لكنه يخاطب العقول المتحضرة ، يخاطب فيها تفتحها المتحضر ، ويطالبها إذا كانت متحضرة فعلاً أن تسعى لحماية الجديد فيه ، وأن تمنح الفنان، حق التجربة ، لكنهم عودوا الجمهور المصرى للأسف على الكسل،وسمحوا للجزارين وتجار الخردة والبطاطس وأصحاب التاكسيات ” أن يدخلوا إلى مجال الإنتاج السينمائى من أسوأ أبوابه، فكسبت السينما للتجارة الرخصية المبتذلة أرضا جديدة ، وما أصعب المعركة التى يمكن أن يخوضها الفنان المبدع الأصيل، فى ذلك الوسط الفاسد، هل نسوا أن للسينما المصرية تاريخاً مضئياً و “علامات” سينمائية، يحق للمرء أن يتوقف عندها ؟
– ما هى في رأيك سمة “الفنان الحقيقى” فى هذا العصر العجيب الذى نعيش فيه ؟
يجيب قائلا :
– سمة المبدع الحقيقي في رأيي أن يقاوم الاغراءات، حتى لا يجرفه تيار المادة والربح السهل، فيقع فى مصيدة الباحثين عن الذهب ، بأى ثمن كان ، حتى ..ولو كان على حساب ضمائرهم..
شادي عبد السلام وصلاح هاشم في مدينة آرل.فرنسا
سألته :
– وتجربة العمل كمخرج فى القطاع العام الحكومي كيف وجدتها ؟.
* المخرج عندما يعمل فترة طويلة فى القطاع العام ينفر من تحمل المسئولية … بل يتحول إلى شئ ، ويصبح اتكاليا، يعتمد على من هو قادر على الدفع ، ثم ما الذى يجبره فى هذه الحالة، إلى الخروج من قوقعة الكسل، التى تعود أن يتمتع بدفئها بعض المخرجين ، الذين كانوا يتركون الفيلم بلا نهاية، ويذهبون فى منتصف الفيلم، .. معتمدين على ان يقوم آخرون بوضع نهايته، وإنهاء العمل فيه.وقد حدث لى هذا في قلب المركز الذي أديره عدة مرات ، حتى مع المخرجين الشبان …
– وماذا عن السينما التجارية فى مصر ؟
* أنا دخيل على السينما التجارية فى مصر .. أنا لست جزءاً من هذه السينما ، وهى لا تعنينى، لا هم بحاجة إلى افلامى ، ولا أنا بحاجة إليهم ، ولا أستطيع أن أشذ عن القاعدة والمألوف ، فأقول لهم عاملونى كما تعاملون مخرجى السينما التجارية .. يجب أن نعرف أن السينما المصرية عمرها ستون سنة، ثم إذا بشادى عبدالسلام يظهر فجأة ، إذن على أن أبقى، وأوضح الموقف، وأرفض أن يكون فيلم ” المومياء” هو الشكل الوحيد المفتقد للسينما المصرية التى نبحث عنها، ولا يهمني حصول الفيلم على جوائز دولية، واختفاء الأوروبين به ، لأنه ما قيمة الجوائز ، إذا لم يكتسب الفيلم قيمته كفيلم عربى أولاً ، وكحلقة من حلقات البحث، عن شكل فنى خاص، يعبر عن روحنا .. وهويتنا ..
– و ماذا عن جمهور السينما المصرية ؟
* جمهور السينما المصرية مازالت تتحكم في ذوقه مقاييس الفيلم التقليدي الهابط، لكننا لن نفقد الأمل أبداً ، في قدرة هذا الجمهور على الفهم، الشعب المصري على فكرة شعب ذكي جدا، وإلا فلتكن مهمتنا الأساسية – إذا كان غباء الجمهور هو المتحكم، وهو القاعدة وإلى الأبد – أن نصنع له أفلاماً للرقص والطرب، وأن نغتنى على حساب غباءه..
الحقيقة أن نقطة الضعف فى تاريخ السينما المصرية ، هى انها لم تكن أبدا مصرية أو عربية ، السينما المصرية تبحث عن سينما ،تبحث عن هوية سينما لم تتشكل بعد ، ومهمتنا كسينمائيين ، أن نغوض فى فلسفة وتاريخ هذا البلد ، أن نلقى نظرة إلى الوراء ، ونحن نتقدم فى الوقت ذاته ، خطوة إلى الأمام..
سألته
– حسنا ، لكن من سيلتفت عندئذ لمشكلات الكهرباء والمجاري..ومشكلات الإنسان المصرى ، مشكلات كل يوم، وهموم الحاضر ، مشاكله وأزماته وتناقضاته متى تجد طريقها إلى عالم وسينما شادى عبدالسلام، الذى يتهمه بعضهم بأنهGRAND SAVANT عالم عظيم ؟..
* لن أدافع عن نفسى … ستتوالى أعمالى الدفاع عنى …. المشكلات اليومية … المجارى … وانقطاع التيار الكهربائى … وغيرها .. أترك للأخرين إنتاج افلام عنها، . لكن هل من الممكن إيجاد حل لهذه المشكلات، من دون أن نفهم حقيقة من نحن، وماذا تريد أن تصنع بحياتنا … وما هو تاريخنا … وأصل حضارتنا وأسرارها … وهويتنا، هذا هو ما يشغلنى فى الوقت الحاضر ، بل وكل وفت..
وختم شادي عبد السلام قائلا :
*أننى أود أن أعرف أولاً ، سر تلك العناصر العظيمة فى حياة الإنسان المصرى ، مثل الفيضان والنور والفجر، ألا تعنى هذه العناصر فى رأيك، أن الروح المصرية لا تفنى مهما طال بها الزمن ،حيث لابد أن يبعث الإنسان المصرى يوما ما، ومهما بدا على جسده من تحلل ؟..ذلك لأنه عين الشمس ، فى يوم قريب سوف تنطق: إن” أنهض فلن تفنى..يا من تمضى ستعود .. يا من تنام ستصحو ..يا من تموت ستبعث .. ” شادي عبد السلام .هؤلاء علموني .لن يفنى. وهاهو ذا يبعث، ويخاطبنا من جديد، لعلنا نصحو ، نحن أيضا، من جديد.
حقق شادي عبد السلام الكثيربعدما أنار مثل الشهب حياتنا. حقق فيلمه العظيم ” المومياء “،الذي حصد العديد من الجوائز في مهرجانات السينما العالمية، وأخرج أيضامجموعة من الأفلام القصيرة ليقول لنا، أننا لم نستوعب وندرك بعد، أننا ” إمتداد ” لتلك ” الحضارة الفرعونية المصرية في الحاضر..
وأن ثمة ” إستمرارية ” بين الماضي والحاضر والمستقبل في حياتنا، وما دمنا لم نستوعب هذا الدرس، فسنظل نحرث في الماء، ونفقد هويتنا، ونتحول الى ” مسخ ” مشوه، ونحن جميعا في خطر..
حقق شادي عبد السلام الفنان المصري الكبير الشامل عن إستحقاق وجدارة سينما مغايرة – للتأمل والحث على البحث والتنقيب في تاريخنا القديم، لنعيد إلينا تراثنا- وأكد على قيمة موضوع ” الخلود والبحث الجديد”، بإسلوب سينمائي عذب وملحمي، قفز بالسينما السينما المصرية، الى قلب تيار ” الحداثة في السينما المعاصرة، وأعاد إلينا ذاكرتنا المفقودة.
بقلم
صلاح هاشم .باريس
صلاح هاشم مصطفى كاتب ومخرج أفلام وثائقيةمصري مقيم في باريس.فرنسا ومؤسس موقع ” سينما إيزيس ” عام 2005 في باريس
***
عن جريدة ” القاهرة ” العدد 1231 الصادر بتاريخ 20 فبرلير 2024
**
سينما إيزيس تتوسع
زوار اليوم : 50 زائر
زيارات اليوم : 200 زيارة
زوار الأمس : 96 زائر
زيارات الأمس : 183 زيارة
عبد الفتاح الجمل عبّاد الشمس بقلم عبده جبير
admin Uncategorized, رئيسية, شخصيات ومذاهب, مختارات سينما ازيس 0
صلاح هاشم يكتب من باريس لجريدة ” القاهرة.كيف صورت السينما ” المدينة ” في أفلامها ؟
فكرت بعد أن شاهدت فيلم ” أيام رائعة ” – PERFECT DAYS– للمخرج الألماني الكبير – 87 سنة – فيم فندرز، والذي خرج حديثا للعرض في باريس، وأعجبت به كثيرا جدا، وكان الفيلم فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في دورة مهرجان ” المنصرمة 76، كما خصل ممثله على جائزة افضل ممثلل، ترى ماهي العلاقة التي تربط بين السينما والمدينة، عبر تلك الرحلة الطويلة التي قطعتها السينما- أكثر من مائة عام – ومنذ نشأتها؟..
وخرجت بعد مشاهدة الفيلم، ورأسي مليئة بصور المدن التي شاهدتها وأنا صغير، مع أولاد حينا العريق ” قلعة الكبش ” في السيدة زينب في ” سينما إيزيس “.مثل نيويورك في فيلم ” كينج كونج ” – KING KONG– وباريس في فيلم ” إيرما اللعوب[U1] ” – IRMA LA DUCE– وطوكيو في فيلم ” رحلة الى طوكيو – VOYAGE A TOKYO– للمخرج الياباني العظيم أوزو..
طوكيو. السينما تضع العالم في متناول العين
فى الظلام كنا نحن الأولاد الأشقياء في حينا العريق ( قلعة الكبش ) بجوار مسجد أحمد بن طولون في السيدة زينب،وعندما نشاهد فيلما للمخرج ساتيا جيت،نتساءل عن طبيعة هذه العلاقة، التى تنشأ بين الانسان والسينما.ثم كبرنا وعرفنا ان السمة الجوهرية للسينما، هى انها تمارس تأثيرها على الانسان،فى نفس الوضع والمكان، الذى يوجد فيه المتفرج ،وهى تستبدل بتحرياتنا تحرياتها، وهكذا دركنا أنها السينما، تتخيل من أجلنا، ونتخيل بدلا منا ،وفى الوقت نفسه تتخيل بعيدا عنا، تخيلا أكثر كثافة وأكثر دقة.وعرفنا أنها أكثر قدرة من الانسان الواقعى، كما يقول الفيلسوف الفرنسي إدجار موران، حين تتجاهل فوراق المكان والزمان ، عندما تقدم لنا فى مكان واحد، وفى زمان واحد، احداثا متتالية ، فى أزمنة متباعدة، أو منفصلة عن بعضها بعضا جغرافيا، فى مكان واحد ..
إنها تجعلنا نرى عملية اختراق الانسان للعالم، وهى تجعلنا ايضا نرى اختراق العالم للانسان ،وهذه العملية ،هى فى البداية “عملية استكشاف ” لما هو خارجنا ،وهى فى النهاية كما يقول المفكر الفرنسي الكبير إدجار موران، “عملية كشف “عما هو فى داخلنا..
السينما تضع العالم ومدنه فى متناول اليد، أو على وجه أدق تضعهما فى متناول العين . أنها تضع العالم المجهول، لا بمدنه فحسب، بل بقاراته وأنهاره وبحاره وأناسه، فى متناول عيوننا. أنها العين الأقوى والأعمق من العين الانسانية، وأن كانت هى عين الانسان..
السينما تعكس التبادل العقلى ،بين الانسان والعالم ،وهذا التبادل هو استيعاب نفسى تطبيقى للمعرفة أو الوعى، ودراسة أصل السينما كما يؤكد موران، تكشف لنا عن أن السحر والمشاركات الخيالية بصفة أعم ،يجرى تبادلها بنشاط مع العالم بقدر هام من الخيال.ومن الممكن فى رأيه أن نقول عن قاعة السينما، أنها قاعة واسعة للعلاج النفسى، لأنها اداة نفسية بالدرجة الأولى.وإذا أراد أحدنا أن يعرف حقيقة ما بداخل نفسه، فليسأل نفسه أثناء مشاهدته الفيلم، عن معنى رد فعله ،وإذا أراد أن يعرف حقيقة ما بداخل شخص آخر، فليناقشه فى الأفلام التى يراها
هكذا إرتبطت السينما بالمدينة ومنذ نشأتها
والأفلام التى سوف تشاهدها ، في أي معرض خيالي لمدن السينما،،وأنت تنتقل من ديكورات حى سكني ما، وليكن مثلا حي” بلفيل ” في باريس وهو حي شعبي يسكنه المهاجرون العرب واليهود والأفارقة، الى حى أخر مثل حي “الشانزليزيه” في فيلم ” مصعد الى المشنفة ” للمخرج الفرنسي الكبير لوي مال وبطولة جان مورو..
لم تكن في واقع الأمر إلا “أيقونات”، أو ” ألبومات” طرحتها السينما عن المدن، وعلاقة الانسان بها، وهي تعكس مجموعة كبيرة من أفكار وتصورات المخرجين عن المدينة الحديثة، وتوضح كيف ارتبطت المدينة بالسينما ، منذ افتتاح أول صالة عرض للأفلام فى العالم، فى 28 ديسمبر عام 1895 ، فى بدروم مقهى ” الجراند كافيه ” فى شارع كابوسين بباريس، وأصبحت من موضوعاتها المفضلة ..
هذا المعرض الخيالي بأفلامه وديكوراته وأحيائه وجوه ،حين تكون قد انتهيت من مشاهدته، وسلمت سماعتك إلى المضيفة، وأنت فى طريقك الى الخارج، لتلتقى مرة أخرى بفضاء باريس، سيثير فى نفسك سؤالا : أو ليس من الغريب، وبفعل سحر هذا الفن، أن نعيش فى مدن ترزخ بثقلها على كاهلنا، فلا نشعر بها ،فى الوقت الذى يتعاظم فيه احساسنا، بتلك المدن الأخرى التى صورتها لنا السينما وقدمتها لنا على شاشتها وعبر أفضل افلامها ؟..
غريب ان تعيش فى “مانهاتن” فى قلب نيويورك، كما حدث لي في رحلة إسنطلاع قمت بها الى ذلك الحي في قلب نيويورك لكتابة تقارير لمجلة ” الوطن العربي” التي كانت تصدر في باريس في فترة الثمانينيات، لكنك ستكون مشغولا عنها ، بـ” مانهاتن” أخرى ، من ديكور وورق مقوى وخشب وقش، من إبداع مخرج اسمه وودى آلن..يا له من أمر عجيب حقا، ان تسكننا مدن السينما الأخرى، من صنع الخيال والوهم وخداع البصر، أكثر من هذه المدن التى نعيش فيها..
المجد اذن لروح الخيال الانسانى، كما يقول الشاعر الفرنسي العظيم ابولينير . المجد لروح المخاطرة والمغامرة، فى هذه المدن الأخرى من الخيالات والأحلام والأوهام والأفكار المكبوتة، التى تجعلنا نحن البشر، ننطلق من عقالنا لنتجاوز الزمان والمكان، ونخترق الحدود والابعاد، لنحلق فى الفضاء مع الطيور السابحات، وندور، وندور، ثم نهبط إلى أرضية هذا الواقع الصلدة. وتعالوا نستكشف هنا بعض الأفكار الخاصة التي تعتمل في ذهن بعض مشاهير المخرجبن عن المدينة بأقلامهم :
هيتشكوك . 24 ساعة في حياة مدينة
” أحب أن أصنع فيلما بعنوان ” 24 ساعة فى حياة مدينة أصور فيه حياتها . الفيلم يبدأ فى الصباح الباكر بذبابة تحط على أنف صعلوك، يكون قد أمضى ليلته نائما على عتبة باب، ثم تبدأ حركة الصباح فى المدينة، وأريد أن أًصور فيه دورة الغذاء كاملة : وصول الطعام فى الصباح، وكيف يتم توزيعه على البيوت، وحركة البيع والشراء، التى يثيرها، ثم ادخل إلى المطبخ، وأصور عملية مضغ الطعام ،وتوزيعه على فنادق المدينة، وما يحدث بشأن استهلاكه، واستيعاب عناصره الغذائية، وبحيث ينتهى الفيلم بلقطات مقربة فى نهاية اليوم ،لأكوام القمامة والنفايات التى يقذف بها إلى المحيط. مهلا يسألنى أحدهم ماذا أريد أن أقول بهذا الفيلم . حسنا أريد أن أكشف عن معنى هذه ” الدورة” ،التى يمر بها الانسان . وفيلم كهذا، لابد أن يكون حتما مسليا..” ..
بقلم
صلاح هاشم.باريس
صلاح هاشم مصطفى كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا
888
عن جريدة ” القاهرة “.العدد 1230 الصادر بتاريخ 13 فبراير 2024
Cinemisis expands by Wala Abdelfattah
salah hashem moustafa founder of Cinema ISIS
Cinema Isis Expands”
By Wala Abdelfattah
Cinema Isis is a cultural and artistic cinema site, free and independent, founded in Paris, France in 2005. The site is concerned with the “thought” of contemporary cinema, and visual arts, presenting a “vision” of culture and life
It is worth mentioning that the founder and editor-in-chief of Cinema Isis is the prominent writer and film critic Salah Hashem Moustafa, honored by the “Film Association”, one of the oldest film associations in Egypt, and the only Arab critic selected to participate as a jury member in the “Golden Camera. Camera d Or” competition at the Cannes International Film Festival, in its 42nd edition in 1989. Many prominent Egyptian and Arab cinema critics, such as Samir Farid, Amir Al Omari, Emad El Nawawi, and others wrote in the site , and the site’s visitors are increasing daily, which confirms that “Cinema Isis” – undoubtedly, and based on the attached statistics – is expanding.
Cinema Isis Website. Today’s Statistics.
- Visitors Yesterday – 50 visitors
- Visits Yesterday: 88 visits
- Visitors Today – until 11 a.m. only – 26 visitors
- Visits Today – 47 visits
- Well then, what are the reasons for the increase in the number of visitors, and why this growing interest in the cinema site, in your opinion?
- Is it the form, is it the content, is it the personality of the site owner and critic Salah Hashem, known to be a storyteller and writer as well, his distinguished writings, style, and history, and his presence in the Egyptian, Arab, and international cinema scene for over 40 years, or what?
“Cinema Isis” will gradually publish the opinions, comments, and answers received from you, to answer the question of why Cinema Isis is expanding, on the site page soon.
by
Wala Abdelfattah
Egyptian writer, critic, and site editor.
صلاح هاشم يكتب من باريس لجريدة ” القاهرة ” هؤلاء علموني.فريد المزاوي
فريد المزاوى ( من مواليد 3 نوفمبر 1913 وتوفي في 5 مايو 1988 ) هو واحد من أهم رواد الثقافة السينمائية في مصر، فقد كان أول من أسس ” ندوة الفيلم المختار “عام 1956، وقد كانت فترة الخمسينات فى مصر، من أعظم الفترات التاريخية التى عاشتها السينما المصرية، بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، وعقب تأميم شركة قنال السويس، وتمصير الاقتصاد المصرى، وتحقيق الاستقلال السياسى، وكان المصريون يشعرون وقتذاك ،كما يقول الأستاذ فريد المزاوي في حواري هنا معه، أن مصر تعود إلى أصحابها الحقيقيين ، وهم يحملون ويطمحون، فى مستقبل أكثر رحابة وتقدما..
وقد أنعكس هذا التحول السياسى، على بنية المؤسسات الفكرية والفنية والثقافية في مصر، وكان على رأس وزارة الثقافة أنذاك ثروت عكاشة، فأسس ( مصلحة الفنون ) وأختار فنان القصة الأديب والكاتب المصري العظيم يحيى حقى – هؤلاء علموني لادارتها ، فاختار بدوره من معاونيه نجيب محفوظ ونعمان عاشور، ولقطاع السينما اختار رجلاً صامتاً خجولاً ، هو الفنان فريد المزاوى الذى يعتبر بحق رائداً من رواد الثقافة السينمائية فى مصر، فأسس ” ندورة الفيلم المختار ” عام 1956 ، وهو أول نادى حقيقى للسينما، تحت إشراف الحكومة..
وكانت الندوة تعقد فى الصيف فى حديقة قصر عابدين التى فتحت أسواره للشعب، بعد أن طرد الملك فاروق خارج البلاد، وبعد عرض الفيلم ،يقوم ناقد فنى فى وجود المخرج ويقدم الفيلم ، ويتحدث عن عناصر العمل السينمائى، من سيناريو وتصوير واخراج الخ ،ويعقب ذلك مناقشة، وكانت تطبع ورقة ، فيها نبذة عن المخرج والفيلم.وقد بهرت هذه التجربة الديمقراطية الفنية أفراد جمهور الندوة ، فتجرأوا على اقتحام منصة المناقشة، فبرز منهم بعض الأعضاء الذين صاروا في مابعد نقادا وكتابا ومخرجين بارزين، منهم الناقد والمؤرخ أحمد الحضرى وهاشم النحاس ويوسف شريق رزق الله وغيرهم ..
ولعل هذه الندوة كانت بداية الدعوة لسينما مثقفة تجريبية واعيةـ إذ كانت تدعو للإنفتاح على سينما العالم، فعرّفت بأفلام الواقعية الجديدة فى إيطاليا ، وبالسينما الروسية واليابانية، وسينما كراسات السينما فى فرنسا، عبر أفلام الموجة الجديدة الفرنسية..
إيزنشتين
ودعت إلى تشجيع مخرجين كصلاح أبوسيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين،وكانت فترة الخمسينات من أخصب فترات التكوين السينمائى . وكانت المناقشات التى تدار بعد عرض الفيلم فى ( ندوة الفيلم المختار ) تمتد بالساعات أمام القصر بعد ذلك..
فى هذه الفترة وبفضل الجمعية وأعضائها، عرفنا أيضا أن للسينما كتبا ومجلات، وأنها علم وثقافة، وبدأ الأستاذ أحمد الحضرى يكتب عن شابلن الانكليزى، وجريفيت الأميركى ، واينشتين الروسى، فى مجلة (المجلة) التى كان يرأس تحريرها يحيى حقى..
وكانت ( ندوة الفيلم المختار ) بمثابة الأم التى أنجبت ( جمعية الفيلم ) التى تأسست عام 1961 ويترأسها الأن مدير التصوير المصري الكبير محمود عبد السميع ،وكان على الجمعية أن تقوم بتكريم جيل الرواد الذين وضعوا نواة هذه الجمعية، فكان الأستاذ فريد المزاوى – مؤلف العديد من الكتب مثل ” اللغة السينمائية والكتابة بالصورة ” و “كيف تكتب السيناريو ” ومؤسس المركز الكاثوليكي المصري عام 1948، أحد هؤلاء الذين حصوا على وسام شرف الجمعية، تقديراً لجهوده الكبيرة فى دعم ورعاية ندوة الفيلم المختار،وإدارة الثقافة السينمائية الجماهيرية، فضلا عن ريادته فى ترجمة الكتب السينمائية، وكنت لتوثيق لتلك الفترة الهامة، من تاريخ السينما في مصر،حرصت في إحدي زيارتي لبلدي في فترة الثمانينيات، على إجراء الحوار التالي معه..
جلسنا والأستاذ فريد المزاوى فى المكتب الكاثوليكى المصرى الذى يديره ، وشرع يتحدث إلي عن أول معرفة له بفن السينما، وخطواته الأولى، فى الاتجاه لهذا الفن :
( ..كنت فى الرابعة من عمري، وكان أبى يصطحبنى إلى السينما البلدية ، وهى عبارة عن مقهى يلعب فيها الكبار الطاولة،بينما نتفرج نحن الأطفال فى ركن من أركانها على الصور السينمائية الساقطة على شاشة عرض ، كان ذلك فى عام 1917 ، ومازالت أتذكر بعض المشاهد منها مشهد رجل يضع جذع شجرة ضخم فى منتصف الطريق ،ليقطعه على عصابة تود اللحاق به والقبض عليه ، ومشاهد مطاردات، ورجل يمشى على الحيطان. عشت مع عائلتى فى طنطا من 1916 إلى 1918 ثم جئنا إلى القاهرة ، وأصطحبنى خالى إلى محل ( أوبون مارشيه دوباريه ) فى موقع محل جاتينيو الحالى بالقاهرة ، فتوقفت أمام لعبتين : قطار يتحرك على قضبان وفانونس سحرى يعمل بالغاز – الكيروسين – كنا فى عام 1921 وكنت فى الثامنة من عمرى فأخترت آلة العرض السينمائى ، وقمت بتطويرها ، فثبت فيها لمبة كهربائية ، وكنت أشترى الأفلام القديمة من العتبة/ وأكتشفت الرسوم المتحركة فكنت أنحت صوراً على شريط الفيلم الخام تتحرك عند العرض ، ومازلت أحتفظ ببعض أجزاء ماكينة العرض هذه ، ولقد تأثرت بكل هذه الأشياء ،مما جعلنى أحب السينما..
تعلمت فى مدارس الفرير الفرنسية ، ثم التحقت بكلية الحقوق وحصلت على ليسانس، وكان أبى يعمل بالمحاماة، وأرادنى أن أسير على نفس النهج ، ثم درست الهندسة الميكانيكية لمدة عامين ثم نشبت الحرب، فتوقفت عن الدراسة، ثم سافرت إلى فرنسا ودرست فى “الايديك” عام 1946 ، وعدت عام 1949 ، وبدأت أختلط منذ ذلك الوقت بالسينمائيين وأهل الوسط الفنى،وكانت ” الشللية ” من أهم ملامحه، فلم يكن من السهل النفاذ اليه، الا عن طريق وساطة صديق يقوم بتقديمك، وعليه لم يكن للشهادة التى حصلت عليها أية قيمة ، لكننى لاحظت أنى أبتعد عن العمل السينمائى تدريجيا، منشغلا بمهام أخرى كنت أكلف بها على هامش الحياه السينمائية العملية الفعلية. أترجم لزوار الوسط من الضيوف الأجانب ، وأحشر حشرا فى كل لجنة ثقافية تشكل ، أو ندوة تقام عن فيلم معروض..
كما أن العمل كمساعد مخرج كان يقتضى أن تحمل له حقيبته وأن تشتم الناس إذا شتمهم، وتسب الممثلين إذا فعل، لكننى استطعت فى النهاية أن أندمج مع شلة صلاح أبو سيف وحلمى حليم، وكانت منسجمة ومتآلفة أكثر من غيرها ، لكنى وجدت نفسى بعد حين، ألجأ إلى سلاحى الذى أحمله، أقصد الثقافة التى تحصلت عليها من خلال دراستى فى الخارج..
جريفيث
كنت متفوقا فيما كان يطلق عليه فى ذلك الوقت بـ (العلم السينمائى) أو الثقافة السينمائية والحقيقة أن الفضل يرجع إلى اندريه مالرو- وزير الثقافة الفرنسى فى حكومة جورج بومبيدو – فى تعميم استخدام كلمة الثقافة، في أوائل الخمسينات، بالمعني المقصود والشائع حاليا، أى نوع من التربية أو المعرفة ، يجب أن يصاحب الانسان، حتى يجعله أكثر انسانية ، لذلك طلب منى الاستاذ يحيى حقى حين وكل اليه أمر الاشراف على مصلحة الفنان، أن أعمل معه، فأسسنا ادارة الثقافة السينمائية عام 1956، كقسم تابع للمصلحة..
وفى اطار ادارة الثقافة، أسست (ندوة الفيلم المختار) وكنت مسئولا عنها ، وبدأت الندوة تزاول نشاطها صيفا فى حديقة قصر عابدين ، وشتاء في صالة الليسية فرانسيه بشارع الشيخ ريحان بالقرب من قاعة إيوارت ، ومازلت أذكر أن حفلة عرض ( ندوة الفيلم المختار) الأولى حضرها أكثر من ألفى متفرج ، وشاهدوا فيها فيلم (عطيل) الروسى على ملاءة منشورة، واستخدمنا جهاز عرض 35 ملم بلمبة ادرته بنفسى ، وكانت النتيجة خصم يوم من مرتبى ، لكن – بعد الخصم – حصلنا على ميزانية قدرها خمسة آلاف جنيه وملحقاتها ، لكى نبنى فى هذا الركن الذى أخترناه في الحديقة ، لكى يكون موقعا لأول ندوة فيلمية عرفتها مصر، نبنى ” كابينة ” عرض ممتازة من الدرجة الأولى، ونشترى شاشة بعرض 12 مترا ، وكان لهذه الندوة تأثيرها العظيم فى تغيير الطريقة التى يفكر بها الناس فى السينما، وبدأت أفكر بشكل مختلف، وكانت النتيجة هروب السينمائيين.
* لم الهروب وهي ندوتهم ؟
– كانوا يقولون لى ندوتك (مقلب) لأنهم – أي السينمائيين – كانوا يفتقدون الوعى، بأهمية المناقشات الجدية، التى يمكن أن تدار حول أفلامهم ، كانوا يهابون النقاش، ويعتقدون أنه لا يمكن أن يخرج عن حيز الشتائم والسباب، والاتهامات المتبادلة ، ويظنون أن المعارضة فى الرأى شتيمة . وكانوا على حق، في تهيبهم من حضور ندوة الفيلم المختار.
تأسيس ندوة الفيلم المختار ثورة تاريخية
* لماذا ؟
– لأن كل النقد السينمائى الذى كان ينشر فى فترة الخمسينيات وما قبلها، كان ينحصر فى الهجوم علي الأفلام، والتهكم عليها، كان ” شطارة كلام : ليس الا، و ” وفرش ملايه ” كما يقولون بالبلدى، والمقصود بها هجاء المخرج وعمله، وابتكار الرسومات الكاريكاتورية، التى تجعل الجمهور ينفجر ضحكا ، من شدة السخرية بالفيلم ، والناقد دائما وأبدا علي حق..
أبو سيف.بداية ونهاية
تأسيس ندوة الفيلم المختار كان بمثابة ثورة تاريخية، بمعنى التأكيد على الوعى السينمائى، والتأكيد على حرية المتفرج، فى أن يتكلم ويعبر عن رأيه، وأن يحلل ويتفهم ،لا أن ينقد، وقد تخرجت أول دفعة من معهد السينما في مصر من ( ندوة الفيلم المختار ) فقد مهدت الندوة لأفرادها الطريق ، قبل أن يلتحقوا بالمعهد حين تأسيسه ، نظمنا فى الندوة عروضا للافلام العلمية وأفلام الأطفال والأفلام الموسيقية والأفلام العائلية، وكنا نعقد محاضرة كل يوم سبت حول موضوع معين ، ومازلت أذكر أخر محاضرة ألقيتها بعد مرور 4 سنوات على تأسيس الندوة، وقد حضرها ما يزيد على الألف شخص – كانت الندوة تضم 1200 كرسىيا ، وكانت بعنوان: كيف أسست ندوة الفيلم المختار، والصعوبات والعراقيل الجمة التى اعترضت طريقها، وكيف تغلبت عليها ، وفى نهاية صيف 1959 تم اغلاق هذه الندوة، على الرغم من النجاح الذي حققته..
* كيف ولماذا تم أغلاق هذه الندوة ، وهى فى قمة نجاحها وفى أحسن حالاتها ؟
– كان صاحب القرار عبد المنعم الصاوى، الذى دعانى إلى مكتبه وابلغنى بقراره على أساس أن الندوات تحولت إلى ” ندوة ارستقراطية” ، وكان يفكر بأن تمتد الثقافة السينمائية عبر قنوات أخرى أوسع وأرحب وأشمل، لكى تصل إلى الجماهير ! ..
ولما أعترضت على الأمر، وأوضحت له أن الندوات ” الأرستقراطية ” كما يحب أن يطلق عليها لا يمكن أن تضم فى العادة 40 عضوا فى مجلس ادارتها، كندوة الفيلم المختار ، وعليه فإنها لا يمكن أن تكون بندوة خاصة ارستقراطية، أليس كذلك ؟..
بالاضافة إلى نجاحها الجماهيرى، يقطع بأنها لا تمت إلى الارستقراطيه بصلة ، ولم يكن لهذا الاعتراض أية نتيجة تذكر، ولم أنجح فى جعله يتراجع عن موقفه – كنت أظن أن هذا الرقم الوهمى، الذى يتألف منه مجلس إدارة الندوة ،والذى نطقت به كذبا، سيجعله حريصاً على بقاء الندوة، لكنه أساء فهمى – رحمه الله- وأعتقد بأننى أتحدث عن الجمهور الذى نجحت فى أن أجعله يواظب على حضورها ، ولم يكن هذا العدد فى تصوره، وبعد مرور 4 سنوات على تأسيس الندوة ، بكاف للأبقاء عليها ، وعقب آخر عرض قدمته ندوة الفيلم المختار، أجتمع أعضاء مجلس إدارتها وأستقر رأيهم على إنشاء أول جمعية – بدلا من الاعتماد على الأجهزة الحكومية – لنشر الثقافة السينمائية هى (جمعية الفيلم) بالقاهرة ، وقد فضلنا البقاء خارج الجمعية، حتى نستطيع أن نقدم لها يد المساعدة من موقعنا الوظيفى ، بلا حرج .
بقلم
صلاح هاشم
صلاح هاشم مصطفى كاتب وناقد مصري مقيم في باريس.فرنسا
***
عن جريدة ” القاهرة ” – العدد 1229 الصادر بتاريخ 6 فبراير 2024
الصالون الثقافي بمعرض الكتاب يحتفي بمئوية عبد الفتاج الجمل
admin Uncategorized, رئيسية, شخصيات ومذاهب, مفكرة سينمائية 2
أقام الصالون الثقافي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ55، ندوة احتفائية بمرور 100 عام على ميلاد الكاتب والروائي عبد الفتاح الجمل، شارك فيها الناقد السينمائي صلاح هاشم، والكاتبة الصحفية عائشة المراغي، وعوض الجمل ابن شقيق عبد الفتاح الجمل، والكاتب يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق.
وتابع: “عبد الفتاح الجمل من الأقاليم المصرية، والثقافة الجماهيرية ممثلة في قصور الثقافة هي الوحيدة التي تبنت الاحتفال بمئوية الجمل، وعملنا أكثر من ندوة منها ندوة بدمياط، وأصدرت قصور الثقافة أعمال عبد الفتاح الجمل في مجلدين”.
فيما تحدث الكاتب والناقد السينمائي صلاح هاشم عن علاقته بعبد الفتاح الجمل والتي بدأت عام 1968 عندما نشر له قصة قصيرة، وبعدها بدأ يعرض عليه ترجمات، ونشر عنده لديه عددا من الأعمال المترجمة منها حوار مترجم مع إرنست همنجواي، وكذلك قصيدة للشاعر الهندي طاغور.
وتابع صلاح هاشم: “عبد الفتاح الجمل عنده قدرة على المزج ما بين العامية والفصحى، بما يشكل مقطوعة موسيقية، من موسيقى الجاز”.
واختتم: “عبد الفتاح الجمل أشبه ما يكون بالأنبياء، وكان الراعي الرسمي لجيل الستينيات وكان يؤسس له، وأشكر معرض الكتاب على إقامة هذه الندوة.
فيا أكد يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، أن عبد الفتاح الجمل قيمة كبيرة وهناك عدة أجيال مدينة لهذا الرجل بأشياء كثيرة وكل من التقاه تصور أنه صديقه أو أستاذه الوحيد.
وتابع: “الجمل كأديب ومثقف وفنان وأديب اللغة العربية عنده حياة ويمزج بين العامية والفصحى بشكل نادر وكان عاشقا للغة والسينما والموسيقى، وكان شديد التواضع وشديد الكبرياء وصعب تجد كل هذه الصفات غير المفتعلة في شخص وكان يجامل ولا ينافق ولا يزيف على الإطلاق”.
وتحدث عوض الجمل ابن شقيق عبد الفتاح الجمل عنه، مؤكدا أنه كان مولعا بالتصوير واللغة العربية وكان يقول إنه ثاني عاشق للغة العربية بعد يحيى حقي ويعتبر اللغة هي المجتمع والحروف هي الأفراد.
فيما قالت عائشة المراغي إنها اقتربت من عبد الفتاح الجمل تسع سنوات وأنا واحدة من اكتشافاته وهو أعطاني الفرصة للتعبير عن نفسي وصدور كتبه تعطي باحثين ونقاد فرصة أن يكتشفوا نفسهم معه.
صلاح هاشم في الإحتفاء بمئوية ميلادعبد الفتاح الجمل في معرض القاهرة للكتاب 55
admin Uncategorized, رئيسية, شخصيات ومذاهب, كل جديد 0
السينما إيزيس. القاهرة
ضمن احتفاء الهيئة العامة لقصور الثقافة بالمبدع الكبير الراحل عبد الفتاح الجمل، واحتفالًا بمئوية ميلاده؛ تُعقَد ندوة في السادسة مساء غد الأحد 4 فبراير، في إطار سلسلة ندوات “مئويات” بالصالون الثقافي في الدورة الخامسة والخمسين من معرض القاهرة الدولي للكتاب، يديرها الكاتب الصحفي طارق الطاهر.
صلاح هاشم
ومن المقرر أن يشارك فيها كل من: المخرج صلاح هاشم (وقد كان من الأصوات المبدعة الشابة – مجموعة ” الحصان الابيض “- التي قدّمها الجمل في الستينيات)، الكاتبة الصحفية عائشة المراغي (التي تتبعت أثره وتولت جمع كتاباته في مجلدي الأعمال الكاملة)، عوض الجمل (ابن أخيه)، والكاتب الصحفي يحيى قلاش (الذي زامله في جريدة الجمهورية وكان للجمل أثرًا في تغيير مسار حياته المهني).
جدير بالذكر؛ أن الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة عمرو البسيوني أصدرت الأعمال الكاملة لعبد الفتاح الجمل في جزئين؛ متضمنة نصوصه السردية ورواياته، ونصوصه المترجمة والحكايات الشعبية، من تدقيق وتقديم عائشة المراغي.
عبد الفتاح الجمل كاتب متفرد ومكتشف وراع، اعتاد أن يعطي بلا حدود ولا يتنظر الجود في المقابل. لم تكن كتابته مقيَّدة بإطار وظيفي أو إبداعي، بل يكتب في أي شكل وكل موضوع. الكتابة بالنسبة له فعل ممتد، منذ بدأ وعيه وإدراكه يتشكلان في قريته “محِّب” التي شهدت مولده في 23 يوليو 1923، واستمرت معه في محطات حياته المتعددة والمختلفة، وربما كانت هي الدافع لاختياراته؛ بأن يدرس اللغة العربية في كلية الآداب جامعة الإسكندرية ويتخرج منها عام 1945، وأن يعمل مدرِّس ابتدائي في أبو قير ثم في الكلية الأمريكية بأسيوط، وأن يترك ذلك من أجل الصحافة والعمل بجريدة المساء، التي لم يجد عناءً في الالتحاق بها، إذ مهَّدت كتاباته الطريق. ومع تولي الجمل مسؤولية الملحق الأدبي والفني للجريدة؛ قرر أن يدمج بين المدرِّس والصحفي والمبدع، فصار –كما وصفوه– “الراعي الصالح” صاحب الأيادي البيضاء على جيل كامل من نجوم الأدب المعاصرين، منهم على سبيل المثال: إبراهيم أصلان، أمل دنقل، جار النبي الحلو، جمال الغيطاني، زين العابدين فؤاد، عبد الرحمن الأبنودي، مجيد طوبيا، محمد البساطي، محمد المخزنجي، يحيى الطاهر عبدالله، وغيرهم. وبعد تقاعده التحق بالعمل بدار الفتى العربي المختصة بأدب الأطفال والفتيان، ثم تفرغ في شهوره الأخيرة للقراءة وكتابة مقال أسبوعي بجريدة “أخبار الأدب” تحت عنوان “أزعرينة” حتى وافته المنية في 18 فبراير 1994.
وتشارك هيئة قصور الثقافة في معرض الكتاب هذا العام بمجموعة متميزة من أحدث إصدارات سلاسلها في إطار برنامج وزارة الثقافة، تتجاوز 120 عنوانا جديدا، وتلقى إقبالا كبيرا من جمهور المعرض لتنوع العناوين وقيمتها وأسعارها المخفضة.
صلاح هاشم يشارك في ندوة ” الكاتب والروائي عبد الفتاح الجمل ” في معرض القاهرة للكتاب 55 بقلم ولاء عبد الفتاح
admin رئيسية, شخصيات ومذاهب, مفكرة سينمائية 0
أ.عبد الفتاح الجمل
إعلان
ودعوة للحضور
وصل الى القاهرة الأديب والناقد المصري صلاح هاشم مصطفي، المقيم في باريس.فرنسا – صاحب مجموعة ” الحصان الأبيض ” التي نشرت في فترة الستينيات ،ونشرت معظم قصصها القصيرة – 7 من أصل 9 قصص – في جريدة ” المساء ” وتمت مناقشاتها وقتذاك في ندوة في البرنامج الثاني في إذاعة القاهرة ،بمشاركة د. عبد الغفار مكاوي، ود.صبري حافظ ، والاستاذ بهاء طاهر
كماحصلت المجموعة على جائزة في القصة ،في أول مؤتمر للأدباء الشبان يعقد في مصر عام 1969 – وذلك للمشاركة – مع الكاتبة الصحافية عائشة المراغي – في ندوة بعنوان ” الكاتب والروائي عبد الفتاح الجمل”
غدا الأحد 4 فبراير الساعة 6 مساء، في ” الصالون الثقافي- بلازا ” 3 “- الدور الثاني- أمام السلم الكهربائي بمعرض القاهرة للكتاب 55
والدعوة عامة
ولاء عبد الفتاح
ولاء عبد الفتاح كاتبة وصحفية مصرية مقيمة في القاهرة .مصر
الخطاب المرئي في الحرب على غزة : المشهدية السياسية والإنسانية والتوثيق القانوني والتاريخي بقلم نبيل عبد التاح
admin Uncategorized, رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
يبدو خطاب الصورة أو الخطاب المرئي، والفيديو الطلقة على وسائل التواصل الاجتماعى الأكثر فعالية، وتأثيراً على المتلقى وعمليات التلقي والتمثل، وخاصة لدى الأجيال الجديدة، وجيل Z، وهو الأكثر استخداما وتمثلا لها فى كافة تفاصيل الحياة اليومية وأحداثها الاجتماعية والشخصية، فى الحب، والكره، والمشاعر المترعة بالألم، والفرح، والسعادة، والشر، والإيمان الديني، والإلحاد، والحياد الدينى حول وجود الله -سبحانه وتعالى، أو عدم وجوده لدى بعضهم، وبث الكراهية للآخر، أو قبوله مع الاختلاف. لقد باتت هذه الخطابات المرئية كاشفة عن مكامن الشعور، والتعبيرات عن الأوهام، والآراء، والأكاذيب فى سرعة فائقة وكاشفة عن عوالم مستهلكي وفاعلي الحياة الرقمية ومجموعها الفعلي، وذلك فى الحياة الشخصية، حيث يلعب الخطاب المرئي وتفضيلاته البصرية، أو الشفاهية المصاحبة لها، دوراً وظيفياً، فى التأثير على اتجاهات الآخرين، أو تثبيت لها -كل بحسب مستويات تعليمه ومعرفته ووعيه السياسي والاجتماعي- وفى طرح الأزمات التي تواجهه شخصيا أو جماعيا، والكوارث الطبيعية، والإنسانية، والحروب والنزاعات المسلحة، وتعرية سياسات ومواقف السلطات الحاكمة في الدول الكبرى فائقة التطور، أو المتوسطة، أو الصغرى. مرجع هذا التأثير أن الخطاب المرئى يخاطب العيون، ومعها الحواس والمشاعر، ويولد التأثير المباشر من عمليات المشاهدة/ الفرجة. وقد يدفع مستهلك الصورة والفيديو الطلقة إلى البحث فيما وراء كل خطاب، وأسبابه، وتاريخه، وتطوراته لدى بعضهم.
الخطاب المرئى تأثيره يدور حول تفصيلات الصورة، والفيديو الطلقة، الذى يخاطب بصرياً النظرات الخاطفة، أو ما سبق أن أطلقنا عليه “النظرات/ الومضات فائقة السرعة”.
بدت الوظيفة التأثيرية للخطاب المرئى -فائقة السرعة والإيجاز والكثافة- فى الجوانب المأساوية فى الحياة، مثل شخص لا يجد مأوى ملقى على الطريق فاقد الذاكرة وبدون طعام، وطفل تائه بعيداً عن أسرته، أو سيدة مسنة تنام على قارعة الطريق فى برد الشتاء القارس، أو أم تصرخ بحثاً عن وليدها، أو سيدة فقدت عقلها، وتثرثر بلغة غير مفهومة.. الخ.
الخطاب المرئى يستثير مشاعر مستهلكية على وسائل التواصل الاجتماعى لنجدة بعض هؤلاء من ضحايا تراجيديا الحياة وآلامها القاسية.
يمتد الخطاب المرئى ويتناول غالب تفاصيل الهوايات والتفضيلات الشخصية، من اقتناء الحيوانات الأليفة -الكلاب والقطط- إلى عشاق ومحبي بعض من الأنواع الخاصة من الطعام والشراب، والكتب، والروايات، والشعر، ولوحات الفن التشكيلى، والنحت، إلى عشاق الأمكنة التاريخية، والمقاهي والمشارب، والورود، والغابات، والشواطئ.. إلخ. هناك أيضا مستهلكي الخطاب المرئى الإباحى، الذى يخاطب رغبات، ودوافع جنسية طبيعية، أو غير مألوفة، وبات خطابا سريعاً فى تجسيداته للأوضاع الجنسية المألوفة فى ثقافات العالم الجنسية، بل وغير المألوفة، على نحو مكثف وسريع… إلخ.
الخطاب المرئى بات يمتد ليشمل أخطاء رجال السياسة، وتناقضاتهم فى الخطاب السياسى، وبعض هفواتهم وهناتهم السلوكية، على نحو أدى إلى كسر بعض من الهيبة التى تحيطهم غالباً فى طقوس السلطة، والمجال العام السياسي.
بدت الوظيفة التأثيرية للخطاب المرئى -فائق السرعة- فى الجوانب المأساوية فى الحياة؛ شخص لا يجد مأوى وملقى على الطريق فاقد الذاكرة، بدون مأكل، طفل تائه بعيداً عن أسرته، سيدة مسنة، تنام على قارعة الطريق في برد الشتاء القارس، أم تصرخ بحثاً عن وليدها، أو سيدة فقدت عقلها، وتثرثر بلغة غير مفهومة..الخ. الخطاب المرئى يستثير مشاعر مستهلكين على وسائل التواصل الاجتماعى لنجدة بعض هؤلاء من ضحايا تراجيديا الحياة!
يمتد الخطاب المرئى إلى تفاصيل الهوايات الشخصية؛ من اقتناء الحيوانات الأليفة -الكلاب والقطط- ومحبي الطعام والشراب، والكتب، والروايات، والشعر، ولوحات الفن التشكيلى، والنحت، إلى عشاق الأمكنة التاريخية، والمقاهى والمشارب، والورود والغابات، والشواطئ…الخ. هناك أيضا مستهلكى الخطاب المرئى الإباحى الذى يخاطب رغبات ودوافع جنسية طبيعية، أو غير مألوفة، وبات خطابا سريعاً فى تجسيداته للأوضاع الجنسية المألوفة فى ثقافات العالم الجنسية، بل وغير المألوفة، على نحو مكثف وسريع… إلخ.
الخطاب المرئى بات يمتد ليشمل أخطاء رجال السياسة، وتناقضاتهم في الخطاب السياسى، وبعض هفواتهم وهناتهم السلوكية، على نحو أدى إلى كسر بعض الهيبة التى تحيطهم غالباً فى المجال العام السياسى، والقيم السياسية الديمقراطية الليبرالية الغربية المتقدمة، وتحرض على السخرية أحياناً، أو تدعو للتعبئة والتظاهر السياسى الحقوقى، والعمالى، وتنظيم الحملات ضد سيساتهم الاقتصادية والاجتماعية، على نحو ما تم فى تنظيم التظاهرات في فرنسا ضد رفع أسعار الوقود، أو تجاه المعاملة التمييزية للشرطة إزاء الأقلية العربية المسلمة، أو تجاه معاداة السامية، أو قتل بعض المهاجرين المسلمين من مثيل عبدالله أنذوروف -من أصول شيشانية – للمدرس الفرنسى صامويل باتى فى 16/10/2020 فى مدرسة “بوا دولن” في مدينة كونفلان سانت أونرين، بعد عرضه على تلاميذه صوراً كاريكاتورية للنبى محمد -صلعم- فى درس عن حرية التعبير، أو التظاهرات ضد العنصرية، أو تظاهرات اليمين المتشدد والمتطرف ضد الأقليات المهاجرة -من المسلمين وغيرهم- فى بعض الدول الأوروبية، وتظاهرات المواطنين السود والبيض الأمريكيين ضد المعاملة الخشنة والقاسية ضد السود مثل المظاهرات التى اندلعت سبسبب مقتل جورج فلويد الذى توفى في 25 مايو 2020 فى مدينة مينابوليس فى الولايات المتحدة أثناء تثبيته على الأرض لاعتقاله، وقام ضابط شرطة مينابوليس “دريك تشوفين” بالضغط على عنق جورج فلويد، وخلال أربع دقائق صرخ جورج لا أستطيع التنفس، حتى توفى.
سُجلت الحادثة فى عديد من مقاطع الفيديو على الهواتف المحمولة، وتم تداولها على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعى. وبعد قتله انطلقت المظاهرات فى منيابوليس في 26 مايو 2020، وتحولت إلى أعمال شغب، وتم تحطيم النوافذ فى دائرة الشرطة، وأُشعلت النيران في متجرين، وتضررت العديد من المتاجر، واشتبك بعض المتظاهرين مع الشرطة. تم تنظيم عديد من التظاهرات على منصات التواصل الاجتماعى للاحتجاج على بعض الوقائع السياسية، أو الاجتماعية، أو الشرطية، وغيرها، ثم رصدها من خلال مقاطع الفيديو على الهواتف المحمولة، ويتم بثها على منصات التواصل الاجتماعى، وتتم الدعوة للتظاهر، فى الدول الأكثر تقدما.
في عصر الصور الفيديوهاتية الطلقة تخلقت من بين سرعاتها المكثفة حالة مختلفة من المشهدية المرئية/ الفيديوهاتية/ البصرية السياسية، والعسكرية والثقافية والفنية والموسيقية، والاجتماعية، الشخصية والجماعية، المؤثرة على حالات الفرجة، والتمثل والتلقي لها. في الوقت نفسه، لم تعد تعتمد على المهارة والثقافة البصرية التي كانت جزءا من تكوين المصور المحترف، الذي تراجع نسبيا دوره! ولا للشخص العادي ملتقط الفيديو والصورة من حاملي الهاتف المحمول أو آلة التصوير التي تراجع دورها كثيرا في حياتنا الكونية. باتت المشهدية التصويرية والفيديوهاتية تعتمد على الهاتف النقال، والحدث وموقع التقاط الصور والفيديوهات وبثها في لحظة وقوعها مباشرة – خاصة الوقائع الحاملة لحادثة ما أو جريمة من الجرائم أو شغب أو كارثة طبيعية أو إنسانية أو موقف إنساني ما.. إلخ – هنا التركيز الخاطف على الحدث ذاته وأطرافه مصادفة أو مشاركة في ثناياه أو هوامشه، أو اللحظة الاستثنائية التي تجعل من الحادث أيا كان مثيرا لمن يلتقطه بهاتفه المحمول والكاميرا.
الفيديو الطلقة يخضع في بثه الفوري والمباشر أو ما بعد التقاطه -في بعض أو عديد الأحيان- لعملية انتقاء وحذف وتوزيع على مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبا بمنشور أو تعليق ما من صانع الفيديو، أو ممن يعيدون توزيعه وبثه على صفحاتهم على الفيسبوك أو غيره من المواقع. بعضهم يعيد تشكيل الفيديو الطلقة لإبراز وجهات نظرهم حول مضمونه ودلالته البصرية، سواء بالموافقة عليه، أو المزايدة السياسية أو الأخلاقية أو الدينية، أو تحويله لنقيض من خلال الحذف والإضافة.
بعض الفيديوهات القديمة – لتظاهرات أو لأعمال شغب وعنف.. إلخ – يُعاد توظيفها لخدمة أهداف سياسية أو دينية ومذهبية أو عرقية..إلخ، وذلك كجزء من النزعة الهجومية والدفاعية والسجالية والتبريرية لخدمة الموقف المسبق لمستخدمي هذه الفيديوهات والمقاطع السينمائية التسجيلية والوثائقية والتلفازية في خطابهم المرئي/ الفيديوهاتي الطلقة.
هذا التوظيف للخطاب المرئي أنتج حالة من بعض التزييف البصري، وخطاب الكذب المرئي. في الوقت نفسه قد يؤدي إلى وظيفة تأثيرية على بعض متلقي الخطابات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي.
إن عالم الصورة المرسومةً على الصخور والحوائط والكهوف ارتبط تاريخيا بالموت، ومحاولة الإنسان الانتصار الرمزي عليه، كوجه آخر للوجود الإنساني، ثم تطور ذلك تاريخيا إلي الفنون التشكيلية، والصورة الفوتوغرافية، والسينمائية والتلفازية الذين أثروا على الأدب وسردياته، ولحماية الأعمال الأدبية والشعرية، والأعمال المتجاوزة للأجناس المتعددة والمختلفة، وعلى العقل والنظرات الإنسانية، والفلسفية والسوسيولوجية والقانونية.
أدت الثورة الرقمية وعوالم التواصل الاجتماعي إلى ثورة مماثلة وموازية في توظيفات الصور والفيديوهات الطلقة لجميع مستخدمي هذه المواقع في الحياة اليومية ووقائعها العادية، في حياة الفرد الرقمي/ الفعلي، والمجتمع والجماعة والأسرة والعائلة وجماعة الرفاق والأصدقاء والعمل، والحي والشارع والجيران، وفي التقاط تفاصيل الحياة اليومية ووقائعها العادية والاستثنائية، من مثيل الجرائم والتحرش والتنمر، وحوادث الطرق والكوارث الطبيعية والإنسانية، والعمليات الإرهابية مثل الدهس للآمنين، والطعن بالمدًي والسكاكين والمطاوي والسيوف..إلخ على نحو ما تم في فرنسا وبلجيكا وغيرها من البلدان الأوروبية.
مع ثورة الذكاء الإصطناعي، وعالم الإناسة الروبوتية، دخلت الصورة، والسينما والتلفاز والفيديو إلى عالم مختلف، هو موت الصورة وفق بعضهم كريجيس دوبريه، والمصور المحترف، والهاوي والعادي، وبوادر الروبوت وأنظمة الذكاء الإصطناعي قادر بفعالية على صناعتها وفق أهواء وأغراض وطلبات من يستخدمه في صناعة الصور والفيديوهات والأشرطة السينمائية. من ثم، باتت هناك إمكانيات للتلاعب في الصور والفيديوهات الميدانية وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ثمة سياسةً التلاعب بالصور والفيديوهات من قبل الأفراد، وأجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية –ومثالها إسرائيل في حربها الوحشية على قطاع غزة- وتوظيفها لتحقيق أهداف سياسية، وأيضا استخدام المجموعات المنظمة– ما يطلق عليهم الكتائب الإليكترونية – التي تبث الخطابات المرئية والصور والمنشورات والتغريدات في حروب المنشورات والفيديوهات بين الأطراف المتصارعة تبريرا وتكذيبا وهجوما ودفاعا للجهة والطرف الذين يعملون معه. تمتد هذه الظاهرة السياسية وتتكثف استخداماتها في أثناء الأزمات والحروب والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية، وهو ما يلاحظ في أثناء الحرب الإسرائيلية على المدنيين العزل والأطفال والنساء في قطاع غزة، وضد حركة المقاومة الفلسطينية.
كل هذه التغيرات أدت إلى نمط مختلف نسبيا من المشهدية الرقمية/ المرئية المفرطة في سرعتها وحضورها على وسائل التواصل الاجتماعي، على نحو يجعل من مقولة “موت الصورة” تحتاج إلي بعض من المراجعة، لأن القراءة الومضة، والمشاهدات الومضاتية لجيل “زِد/Z” وما بعد بات أقرب إلى استهلاك وتلقي وتمثل الصور الومضات، والنظرات الومضات، والفيديوهات الطلقة، وخاصة في النزاعات المسلحة والحروب، وغيرها من وقائع الحياة الكونية والمحلية والإقليمية. بعض من هذه الظواهر الرقمية الجديدة مرجعه أن جيل “زِد/Z” والأصغر سنا ولدوا في ظل الثورة الرقمية، وشكلت جزءا رئيسا من تكوينهم وثقافتهم، وباتوا جزءا من عوالمها ولغتها الرقمية وتنقلاتها واستخدامها، ومن بينها مشهدية الفيديو الطلقة على نحو أدى إلى مشهدية مختلفة نسبيا عن مشهدية السينما والتلفاز!
في عصر النزاعات المسلحة والحروب تبدو المشهدية الفيديوهاتية الطلقة سائدة في تناصها مع المنشورات والتغريدات على نحو ما ظهر ولا يزال في الحرب الروسية- الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على غزة، وعمليات حزب الله من جنوب لبنان، وردود وهجوم الطيران والمدفعية الإسرائيلية عليها، وأيضا عمليات الحوثيين في إطار الحرب وإطلاقهم المسيرات والصواريخ، واستيقاف وضرب بعض السفن الذاهبة إلى إسرائيل لدعم المقاومة الفلسطينية، كجزء من السياسة الإيرانية في المنطقة، ثم الهجمات التي تقوم بها أمريكا وبريطانيا على بعض مواقعهم داخل اليمن. توثيق هذه العمليات مرئيا وبثها تلفازيا وعلى مواقع التواصل يمثل نمطا من السرد الصًوري والفيديوهاتي، الذي يعتمد على اللغة المشهدية التي تركز –في إطار الحرب على قطاع غزة– على الصدمة، والقصف الصاروخي والمدفعي والمسيرات، وأعداد القتلى والجرحى والهجرة القسرية، والفزع والصراخ، واقتياد الأسري شبه عرايا في قسوة البرد وتحولهم إلى كائنات مادون بشرية في انصياعهم لأوامر الجنود وضباط الجيش الإسرائيلي، وهدم المباني والمنازل ومقتل ساكنيها… إلخ!
المشهدية الرقمية في الحرب، هي خطاب رقمي مرئي يعتمد على الحركة / الحركية والإيقاعات السريعة وتلاحق الصور، وعفوية خطاب الأطفال الذين تم إنقاذهم من تحت الأنقاض وقتل آباءهم وأمهاتهم وأخوتهم، أو طفلة تقود أخيها الصغير أو تحمله أو تجلس بجانبه في المستشفى وقد بُتِرتْ إحدى ساقيه أو ثملت إحدى عينية، أو طفلة تقول لطبيبها في المستشفى هل ما حدث حلم أم حقيقة!؟
المشهدية البصرية/ المرئية/ الفيديوهاتية، هي تفاصيل صغيرة وسريعة ومتلاحقة، ولكنها تحمل ما وراء الصور من فظائع الحرب، وأثرها على الأطفال والنساء والمسنين والمدنيين. هي أيضا مشهدية تدمير المباني وبعض أماكن العبادة، والهجرة القسرية، وقصف بعض سيارات الإسعاف والمسعفين والعابرين بالمسيرات والرصاص!
فى إطار عمليتى “طوفان الأقصى”، “والسيوف الحديدية” الإسرائيلية قام طرفا الصراع بتدشين عملياتهم العسكرية، من رشقات الصواريخ من حماس والجهاد الإسلامى، والقصف المدفعي، وتدمير الدبابات والمركبات العسكرية، وقصف الجنود، وإسقاط بعض المروحيات، والطائرات الإسرائيلية المسيرة، أو تدمير بعض الآليات العسكرية من “المسافة صفر”… هذا الخطاب المرئي بات يمثل أيضاً أحد مواد تحليل تكتيكات الحرب الوحشية على قطاع غزة والمدنيين العزل، من بعض الخبراء العسكريين عن مسارات واستراتيجيات الحرب. من ناحية أخرى، يقوم الجيش الإسرائيلى بتدشين عملياته، وقصفه المدفعي والصاروخي الكثيف، وتدميره للمباني والمواقع وبعض الأنفاق، بهدف مخاطبة الشعب الإسرائيلى، وبث الطمأنينة والأمن، فى ظل أزمته الوجودية، بعد هجوم حماس والجهاد الإسلامي في السابع من أكتوبر 2023، وتوظيف الدمار والقتل المروع فى محاولة لتحقيق وظيفة الردع لدول الدائرة البؤرية للصراع، ودول الطوق، وأيضا للفواعل السياسية ما دون الدولة من القوى المدعومة من إيران كحزب الله فى لبنان، ومليشيات الحوثى في اليمن، والمليشيات الشيعية في العراق.
توظف حماس والجهاد الإسلامى الخطاب المرئي فى إثبات قدرات المقاومة في معارك الشوارع، ومن داخل الأبنية المتصدعة والمهدمة تجاه الدبابات والمركبات وقنص الضباط والجنود، وأيضا فى شجاعة المقاتلين المقاومين، واستمرارية إرادة الصمود فى مواجهة الجيش الإسرائيلي، وأيضا فى قتل إسرائيل لبعض الأسرى لدى حماس والجهاد الإسلامى بعد طوفان الأقصى.
لا شك أن الخطاب الصورًي والفيديوهاتى لعب دوراً مهماً فى تحفيز الشباب من الفئات الاجتماعية الوسطى- الوسطى، والوسطى- الصغيرة فى الخروج للتظاهر ورفض المجتمع، ثم إلى الانتفاضات الجماهيرية واسعة النطاق فى تونس ومصر.
من هنا لعب الخطاب المرئي– الفيديوهاتى الطلقة، والصور الفوتوغرافية- دوراً بالغ الأهمية، فى تعرية السلوك السياسي والعسكري الإسرائيلي في الحرب على قطاع غزة، ووثق انتهاكات إسرائيل لقانون الحرب، والقانون الدولي الإنساني، والتهجير القسري للسكان من شمال القطاع-مليون ونصف- إلى جنوبه، وأيضا في توثيق هدم المنازل، والأبنية العامة، والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والارتفاع المتزايد كل ساعة ودقيقة لأرقام الموتى، والجرحى، وأيضاً الحصار والعقاب الجماعى للمدنيين فى القطاع وضرب واقتحام المستشفيات ونقص الدواء والماء والغذاء.
الأهم أن توثيق هذه الجرائم من خلال الهاتف المحمول، والكاميرات، وبثها على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعى، لهذه المجازر البشعة، وذلك لتحريك بعض من اتجاهات الرأى العام – الحقوقى والسياسى والإنسانى – فى الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، ودول العالم ممن لا يزالون بعضهم يؤمن بهذه القيم الإنسانية والأخلاقية على نحو ما تجسد في المظاهرات الضخمة في هذه البلدان. بعض الخطاب المرئى يشتمل على الصورة، مع بعض التعليقات عليها بالإنجليزية، أو العربية، أو الفرنسية، أو الأسبانية أو الألمانية أو الإيطالية، بعضها يوثق وقائع الدمار للمبانى، وأخرى لمقتل الأطفال، والنساء وكبار السن، أو الرجال العزل من المدنيين، وبعضها لفيديوهات لعمليات نقل بعض الموتى والجرحى من تحت الأنقاض.
بعض الخطاب المرئى –الفيديوهاتى السريع والمكثف والطلقة- لأطفال يتامى، يرون بعض من دراما عمليات قتل أسرهم، وتحول بعضهن/ بعضهم من الصغار الذين لا يتجاوزون السابعة أو الثامنة إلى مسئولين عن أخوتهم الأصغر، من الثلاث والأربع سنوات داخل المستشفيات، ولا عائل لهن/ لهم.
هذا الخطاب بات أكثر تأثيراً على بعض اتجاهات الرأى العام الغربى، وساهم -ولايزال- فى تحريك مشاعر الغضب، والتظاهر من أجل الهدن الإنسانية، ووقف فورى لإطلاق النار، والتنديد بانتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية للحرب، والقانون الدولي الإنساني والدولي العام.
بعض الخطاب المرئى، يحملُ تفاصيل حصار المستشفيات و مراكز الإيواء، وقصف بعض محيطها، أو اقتحام جنود وضباط إسرائيليين لها، والقبض على بعض الأطباء والمسنين!
بعض الخطابات المرئية يتمثل فى توثيق قصف بعض عربات الإسعاف، ومراكز الأونروا، على نحو ما يشير بعض مسؤولى المنظمات الدولية فى خطابهم المرئى، أو المكتوب كمنشورات على منصات التواصل الاجتماعى.
الخطاب المرئي الإسرائيلي يتمثل فى إظهار حجم عمليات القصف، وأعداد القتلى والمصابين الفلسطينيين، وأداء الجيش، وأعداد الألوية، وحجم الدمار واسع النطاق الذي تحققه عمليات الويته المسلحة، من أجل تحقيق وظيفة الردع للفلسطينيين فى الضفة وقطاع غزة، وأيضا لدول المنطقة، وأيضا لرأب الصدوع النفسية والاجتماعية للمجتمع، حول الجيش ومجلس الحرب، بعد الإخفاق الاستخباراتى وأعداد القتلى والجرحي والمعاقين من ذوي العاهات والآثار النفسية للعمليات العسكرية الدامية، وصدمة عملية طوفان الأقصى.
الخطاب المرئي ظهر من بين تدافع وانفجار وقائع الحرب، وحولها أكثر تأثيرا مما سبق أن أطلقنا عليه –في مقالات سابقة تابعت تحليليا مساراتها- “الحرب اللغوية”، أو “حرب المصطلحات” بين الإسرائيليين، والمقاومة الفلسطينية فى وصف كل طرف لأفعال وسلوك الطرف الآخر، وتدور فى غالبها حول مصطلحات قانون الحرب، والقانون الدولى الإنساني، وقرارات الأمم المتحدة، وتفسيرها. أبرز علامات “حرب المصطلحات”، و”حروب اللغة” دارت ولاتزال حول حق الدفاع الشرعى، والتهجير القسري، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقى، والعقاب والحصار الجماعي، وغيرها من المصطلحات القانونية الواردة بالمعاهدات الدولية ذات الصلة. هذا النمط من الحروب الموازية المواكبة والمساوقة للسلوك العسكرى، والسياسي والديبلوماسي والإعلامي، ليست جديدة، ولكنها اكتسبت أهمية متزايدة مع الحرب على قطاع غزة، إلا أن الخطاب المرئى الذي يستصحب هذه المصطلحات المتصارعة لتكثيف أثرها لدى متلقى الخطاب المرئى، ومستهلكيه الكثيرين على وسائل التواصل الاجتماعى.
لا شك أن حروب الصور، والفيديوهات تمثل واحداً من أبرز التحولات فى الحرب على قطاع غزة، أو صدمة طوفان الأقصى، وأدت إلى التأكيد على تداخل زمن الفعل مع زمن الصورة، والخطاب المرئى، وهو ما حدث مع محاولة انقلاب غينادى ياناييف الفاشل للإطاحة بجورباتشوف فى 18 أغسطس 1991 وحتى 22 أغسطس 1991. وقيام الفضائية الأمريكية CNN بنقل الأحداث مباشرة من موسكو وقت وقوعها، وتطوراتها، وهو ما أدى إلى نهاية الفجوة الزمنية بين زمن الفعل، وزمن الصورة، لكن ما يحدث فى مسارات الحرب على قطاع غزة أدى إلى كثافة، وتوحد زمن الصورة، والخطاب المرئى، وبين زمن الحدث/ الفعل، ومن ثم إلى قوة التأثير البصرى/ المشهدى، والنفسى، والسياسى على متلقى الخطاب المرئى على المستوى العالمى.
من هنا شكل الخطاب المرئي الذى يوثق وقائع الحرب أحد أهم مصادر توثيق جرائم الحرب، والقانون الدولى الإنسانى أمام محكمة العدل الدولية، وفق شكوى دولة جنوب أفريقيا، وبعض مجموعات المحامين الفرنسيين فى المجال الحقوقى الإنسانوي وهو ما تأكد في مرافعات فريق الدفاع الجنوب أفريقي.
من الملاحظ أيضا أن الخطاب المرئى حول انتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية، والمذابح فى قطاع غزة والضفة الغربية، أدت إلى إظهار بعض من الخلافات داخل بعض موظفى الخارجية الأمريكية، ولدى بعضهم فى إدارة الرئيس جو بايدن المؤيد والداعم لإسرائيل، ذو النزعة المسيحية الصهيونية، وأيضا بعض من الخلاف داخل الحزب الديمقراطى.
لقد أدى الخطاب المرئى إلى بعض من التعديلات الطفيفة والجزئية على خطاب ماكرون فى فرنسا، فى المطالبة بوقفات -هدن- إنسانية وفق المصطلح الأمريكي، ووقف إطلاق النار، والسعى إلى عدم امتداد الحرب إلى لبنان، من خلال السعى السياسى والديبلوماسى لدى حزب الله. الخطاب المرئي أثر أيضا على بعض أعضاء البرلمان الفرنسى، والمطالبة بمحاسبة 4000 من الجنود من ذوى الجنسية الفرنسية الذين يقاتلون مع القوات الإسرائيلية فى حربها على قطاع غزة.
أدى هذا الخطاب أيضا إلى التأثير على بعض من اليسار الفرنسى. من الشيق ملاحظة أن الانحياز الأمريكى لإسرائيل داخل الكونجرس وأعضاءه، فى مساءلة بعض رؤساء الجامعات الكبرى، حول بعض تظاهرات الطلاب المنددة بالجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين، وعدم وقوفهم ضدها بوصفها معادية للسامية! توثيق الخطاب المرئى لهذه المساءلة أظهر بعض الممارسات المضادة لحرية الرأى من قبل بعض أعضاء الكونجرس، ودفع رئيسة جامعة هارفارد العريقة إلى تقديم استقالتها.
من مجمل ما سبق نستطيع القول إن الثورة الرقمية باتت مؤثرة على بعض اتجاهات الرأى العام، فى كافة دول العالم إزاء، كوارث الحروب، ولاسيما التى تقوم بها إسرائيل كسلطة احتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة بعد 5 يونيو 1967، واتفاقية أوسلو. ومن ثم يشكل الخطاب المرئى، أحد مصادر التوثيق التاريخى، وكتابة التاريخ، والأهم أنه بات أحد محركات الفعل السياسى على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
بقلم
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح كاتب وباحث ومفكر مصري تنويري، ومستشار مركز الاهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
***
عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية لباب ” مختارات سينما إيزيس “