“الرومانسية” صناعة أوهام، أم ثرثرة، تباع بالمجان ؟. بقلم فكري عيّاد

 

عيون تجملت في ثيابهن، وحملت شقاوة فطرية، في حنايا الشوق تلهب أجسادهن.تبحثن عن سّاقِيَة الاِرْتِوَاء، من وهج لهفات هوجاء عابثة، تطحن صدورهن.تسبح وتذوب فى عروق نبضهن.

 تتنهد في ثمالة، فوق نهود صبايا قمرات من كل الألوان، متعانقة في أحضان دافئة وناعمة، تطفأ ظمأ شغفهن، وهيامهن في نظرة رَغْبَة  وشَهْوَة ، صَبابَة بيضاء شاردة متلَهْفَة ، وأخرى سمراء جامحة، تنادي حبيب القلب في جَرَّأَهُ ومُجُونٌ ،بلاخَجَّل، ونظرات عابثة فى شغب والتواء.

وعيون العذارى تطحن، وتلعق شهق دموعها، بزفرات على الخدود حمرة عِفَّة واِسْتِحْيَاء  .

وسوداء بلا رداء، نزعت سترة ثياب الحِشْمَة والحياء. وعيونها شهية جاحظة ،مرتبكة من نظرات الكلمات، والظنون الكاذبة العوجاء.

كلهن نزعن الأكفان، وتَسَرْوَلَن بلباسَ  مزركشة، بخيوط ذهبية مراوغة،  تبعثرات اللذات، تهَتَّك  أفكارهن.

موكب الدلال، عابر سبيل الحياة، صداه أنين مزمار ،في الأجواء الحالمة، سائر صامت مُمَزَّق بلا رداء،  يسطر  حواديت..

“كان ياما كان” ،

من همجية أهل الايام.

” جولييت” حبسة الغرام، خلف أسوار التنهدات ، بأنين وهمسات،  تراقب لمحات الروح، “روميو”  طائر يحلق ، في أفق السماء. تبحث عن فارسها، يمتطي صهوة الحب، ينادي على ست الحسان فى شرفتها. ولؤلؤة الجمال نعست في منامها.  تجرعت الحب في كأس من سموم ، في حضن وصحبة حبيبها.

 وياويلي منك ياليلة، من شغف ونشوة “لَيْلَى” وحيرَةِ اللَّيالي في شفق تبعثر ضوؤه على دُجُنَّة الظلام ، مازالت قبلاتها في الفضاء، سابحة شاردة هوجاء، تنظر حولها في خوف وإرتباك. تنتظر لمحة عَنْتَرَة “عنتر بن شداد”.

 وتقرأ كلمات الولع،   وهيام شفاه ترتجف من سطوة ونُفُوذ سلطان الحبيب. ( إِنَّني لَيثٌ عَبوسٌ ،لَيسَ لي في الخَلقِ ثاني)

“وَنَصيبي مِنَ الحَبيبِ بِعادٌ ، وَلِغَيري الدُنُوُّ مِنهُ نَصيب.

وَهَلاكي في الحُبِّ، أَهوَنُ عِندي مِن حَياتي ،إِذا جَفاني الحَبيب.”

أما الحزينة ” سندريلا” ، إحتبست أنفاسها، ودموع العين فرشت غطاء    حُرْقَة ،ولَوْعَة الألم ، وسادة تغطي محنتها.

برعشة يدها، تعاتب قدرها وقدرتها،  وفقدان حظها، حائرة في شرنقة ولَوْعَة سجن، حبس الأحلام في دنيتها.

 تتسآءل في لَهفتها،  من يجد  سر حذائها.!؟

 

 

أما أنت يا”بهية”،  حكايتك،  ما أحلاها من غنوة وحكاية.

جالسة في جلباب من ورود الشوك، تنوح ويبوح الأسى ،تحت وِشَاح غمَّتها،

 تظللها الاشواق ، وتحتضن صندوق ماضيها وذكرياتها، تنتظر خطا فارس الأحلام.

 وطيور الحب تتضاحك، على غفلتها وبرائتها. وتتغني وتغرد مع بيرم التونسي: 

 “يابهية وخبريني يا بويا، ع اللي قتل ياسين

قتلوه السود عينيا يا بويا، من فوق ضهر الهجين”.

و”احمد فؤاد نجم” زود الرواية جرعتين.

” ناس تمشي، وناس تجينا

واحنا متبعترين، ولا صاري ع السفية،

ولا مربط للهجين، والدنيا بتجري بينا،

واحنا متوخرين، يا بهية ولملمينا،

نطرح مليون ياسين” 

وأهل المغنى تغنوا الحكاية. طَنطَنة ودّنْدَنَة خادعة في اللسان، وطَنِين الذباب يطرب،  ويسري ويتسلل في هوس الأذان…

يابهية أنفاسك مازالت دايرة وهنية، في عبق المكان.

 يادنيا الأمس وحلم الزمان، وبقايا حطام الإرث، بنيان حسنك وبهائك تسكع في زمن مُنَافِق أعْوَج، وتكسرت رمانة الميزان.

 ماذا يدور في خاطرك الآن !؟

دنيا عبثية تعيش في لوحه الوهم والغثيان.

” الحقيقه” ..!

 كلمة وغنوة زائفة، صناعة ومهنة للشعراء والأدباء، ثرثرة تباع بالمجان،

 وٱهات مراهقة، وفراغ للشفاه.

عالم مُهان يتخبط في عتمة صناعة الأوهام.

  مواويل ربابَة عتيقة، وقصص عبثية الأجواء،  قابضة على الأذهان، تقذف جمرها فوق  مواكب العشاق.

يا صبايا وقمرات الحب.! 

أين ذهبت أيام  “الرومانسية”،  وخجل تلعثم البسمات !؟

وأسطر عبارات وكلمات، تحتضنها قصاصات الورق الوردية ، في خوف وإرتباك، من حسد وتطفُّل النظرات.

كل الوجوه ملامحها أشكال وهمية،  مثل عروس لعبة أو دمية، تتزين بأصباغ وزيف وتلوينات.

لا تدري البيضاء من خمرية اللون، أو  السمراء من كحيلة عسلية ، وعيون السوداء زجاجية زرقاء. الكل عرايا في الخواء أسوياء !

وكسوة الوجوه، مسخات من مسحات سطوة، وبطش مساحيق الطلاء.

من يعيد شريط ترنيمة وعُذُوبَة الحياة..!؟

جماليات الإعجاز وسينفونيات الماضي، وعبق الورود رحيقها روح الصفاء.  وأعواد طلة القمرات الراقصه، في عفوية غريزية وبهاء.

دنيا متغيرة في فكرها، تلونت سحنتها بالصبغات، ٱثيرها يتمشي مُتَغَطْرِس في الأوحال.

قل وإفعل ما تشاء!

إن تمكنت وإِسْتَحْكَمت وإستوليت على مقاليد الصياح.

ولا تسأل خطاك !؟  أين ذهبت  قوَّة الإبتكار والخَلْق، وفكر الأدباء !؟

 ما عادت تجدي نفعا،  وليس لها عنوان، مجرد تسطير ألقاب، وأسماء خواء جوفاء.

 لبس الغباء سترة الحكماء. وإعتكف التعساء في الخفاء، وتسلط الجبناء في عباءة الأقوياء.

  وبقايا الأيام تمتمة حائرة في الأفواه، يتيمة يائسة، تتحسر في ذُهُول ورِيْبَة على ما فات . ورواسب مشاعِر ٱحاسيس مغلفة في حنوط جفاف العمر على الجدران .

ماذا يدور في ذهن الأزمان حول زهوة الحياة!؟

بِدْعُ واستخفاف ومزايدات، في ساحة ساخطة متمردة ومتذمرة، وغوغاء التعساء.

مازالت ساقية الإرتواء دائرة ،في سباق مع طواحين الهواء.

فكري عياد  . لندن

فكري عياد كاتب وفنان تشكيلي مصري مقيم في لندن. المملكة المتحدة