هل هي نهاية الصحافة في مصر ؟ بقلم حسام عبد البصير.في مختارات سينما إيزيس
هل ما شهدته العاصمة اللبنانية تجسيد لنبوءات قديمة، كثيراً ما رددها شعراء ومسرحيون، وحذّر منها بعض الساسة، التي تتلخص في زوال العالم العربي عن المشهد، وانتهاء عصر الدولة.. مدينة الحنين وملاذ الهاربين من بطش سلطاتهم في القرن الماضي، وقلعة الفنانين المصريين الذين فروا إليها، إما هرباً من بطش الاستبداد، أو بحثاً عن فرص عمل بعد أن تعرضت هوليوود الشرق لوعكة عقب النكسة، أو هروبا من الديون.. لم يكن لبنان غائباً بالمرة أمس عن مقاهي القاهرة، وميادينها، ودواليب العمل فيها، حيث حلت تفاصيل المأساة على الجميع، وكان السؤال الذي يبحث عن إجابة «هل ما جرى حدث قدري؟ أم مؤامرة مدبرة تستهدف أرض الجمال والتاريخ.. لا يركن الكثيرون هنا لما يقره المحللون من كلام جاهز ومعلب، ويميلون أكثر من أي وقت مضى إلى أن بيروت مستهدفة، كخطوة أولى في مسلسل «الضياع» على أن تتلوها باقي العواصم العربية تباعاً.
ولعل زياد بهاء الدين في «المصري اليوم» أبرز من عبّر عن خشيته مما هو مقبل: «لبنان ليس وحده في هذا الموقع، بل في كل أرجاء الوطن العربى ذات المأساة: حضارة إنسانية، وثقافة وتاريخ، وموارد طبيعية، وإمكانات اقتصادية، وشعوب واجهت كل أنواع الاحتلال والاقتتال والتشرد والهجرة والحرمان بشجاعة وعزيمة. ولكن حرمها من التمتع بأبسط مقومات الحياة الكريمة، غياب الإصلاح السياسي وما يجلبه ذلك من فساد وطائفية، وتركز للثروة والسلطة وتشبث بصراعات مضت، وتعطيل لفرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الإصلاح السياسي والمؤسَّسي هو مفتاح نهضة الوطن العربي، وبدونه سيظل كل نجاح اقتصادي مؤقتًا، وكل تعمير وبناء غير كاف، وكل يوم يبعد شعوبه أكثر عن فرصة اللحاق بمسار التقدم من حولنا».
إثيوبيا استدرجتنا للعبة قتل الوقت ونحن تعاملنا معها باعتبارها قوة عظمى
وفي صحف أمس الخميس 6 أغسطس/آب، تصدر نشاط الرئيس السيسي، وتوجيهاته بالتوسع في المشروعات القومية الخاصة بوزارة الزراعة، وذكرى افتتاح قناة السويس الجديدة، وعودة الدوري، اهتمامات عناوين صحف القاهرة. وتحت عنوان «التوسع في المشروعات القومية لوزارة الزراعة وتوطين تكنولوجيا تحلية المياه» اهتمت «الأهرام» بتوجيهات السيسي بالتوسع في المشروعات القومية الخاصة بوزارة الزراعة، لما لها من مردود غذائي وصحي واقتصادي على المواطنين والدولة، موجها بزيادة المخصصات المالية للمشروع القومي للبتلو بمقدار مليار جنيه. وذكرت «الأهرام» عن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية قوله، بأن الاجتماع تناول متابعة تطورات عدد من المشروعات القومية الخاصة بوزارة الزراعة، وكذلك مشروع تنمية سيناء. وأشارت صحيفة «الأخبار» إلى رسالة التضامن التي بعث بها السيسي إلى الأشقاء في لبنان، فتحت عنوان «السيسي يؤكد تضامن مصر حكومة وشعبا مع لبنان» ذكرت «الأخبار» أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، أكد تضامن مصر حكومة وشعبا مع الأشقاء في لبنان والاستعداد لتسخير كافة الإمكانيات لمساعدة ودعم لبنان في محنته.
أجمل المدن
لم يكن بوسع أحد باتساع العالم العربي أن يسيطر على مشاعره وهو يرى أجمل المدن العربية تروع بالانفجار، الذي هز جنباتها وأسقط ضحايا وبنايات، وثقة مواطنيها في المستقبل، كأنه بلد منكوب بأزماته المتراكمة والمستجدة، أضاف عبد الله السناوي في «الشروق»: «بوسائل العصر نقلت صور بيروت المروعة إلى كل بيت، توحدت مشاعر وتبدت أسئلة عما يتوجب فعله عاجلا لإنقاذ بلد عربي صغير في حجمه، وجوهري في دوره.لا يمكن كتابة التاريخ العربي المعاصر بدون إطلال طويل وعميق على الدور الذي لعبته تلك المدينة في السياسة والثقافة والآداب، وحركة الفكر والإبداع. قيمة بيروت للعالم العربي أنها مرآة تفاعلاته وصراعاته وأفكاره وأحلامه، بوتقة التفاعل والانصهار، وهو دور وظيفي أضفى عليها وزنا خاصا، دفعت في بعض الأحيان فواتيره الباهظة. التضامن الواسع قضية مسلم بها، لكنّ المشاعر وحدها لا تكفي إذا لم تسندها إجراءات تمد يد العون إلى بيروت الجريحة، حتى تأخذ نفسا من أمل، وقدرا من ثقة أن عالمها العربي لن يدعها وحيدة تعاني آلامها المبرحة على نواصي الطرق المهدمة. هذه هي المسألة. «إن لم نزن مصر وزنا حقا سالت الدم على الضمير».هكذا أنشد الشاعر اللبنانى الراحل سعيد عقل ذات يوم. رغم ما هو منسوب إليه من دعوات انعزالية، فقد لمس الحقائق، والحقائق وحدها تتحدث في النهاية. إن العالم العربي كله، وليس مصر وحدها، مدعو أن يزن لبنان وزنا حقا حتى لا يسيل الدم على الضمير، ويصبح انهياره أمرا واقعا في قلب المشرق العربي المنكوب بأزماته وحروبه ومشروعات تقسيمه».
لا تخذلوه
نبقى مع ما حلّ ببيروت حيث يؤكد عبد الله السناوي في «الشروق» على أنه: «قد يزكى الانفجار المروع الذي ضرب بيروت، كما لو كان قنبلة نووية صغيرة، مستوى الصراعات الداخلية، ويدخل البلد بالتشاحن الزائد إلى أوضاع يصعب توقع نتائجها الوخيمة على وجوده نفسه. نحن أمام بلد تلاحقه أزماته، بدون أن تتبدى حلول في الأفق قادرة على صناعة التوافقات الوطنية الضرورية، في مواجهة أسئلة مصيره. هذه مهمة اللبنانيين قبل غيرهم. بصورة أو أخرى يكاد يقارب الدور اللبناني في العالم العربي الدور الإسباني في محيطه الأوروبي، حيث ينظر إليه كـ«معمل أفكار» تختبر فيه الأيديولوجيات والأفكار الكبرى. كلا البلدين تعرض لحرب أهلية ضارية، مازالت ماثلة بدرجات مختلفة تحت الجلد السياسي. قبيل الحرب العالمية الثانية بين عامي 1936 و1939 نشبت الحرب الأهلية الإسبانية وأسفرت نتائجها عن هزيمة الجمهوريين الاشتراكيين، لصالح حكم فاشستي بقيادة الجنرال فرانشيسكو فرانكو، امتد حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي. فيما كانت إسبانيا تلملم جراح حربها الأهلية، بدأت حرب أهلية أخرى في قلب المشرق العربي في ظروف مختلفة وأزمان جديدة، دفع لبنان ثمنها باهظا لنحو ستة عشر عاما. في الحالتين الإسبانية واللبنانية، تبدت روح مقاومة تراهن على قوة الحياة، رغم وطأة وآلام ما جرى. إسبانيا الجريحة أنتجت أدبا وفنا خالدين عبر عنه شعراء عظام مثل لوركا، وروائيون مجيدون كالأمريكي إرنست همنغواي، والفرنسي أندريه ماللرو وزير ثقافة شارل ديغول، وفنانون تشكيليون من حجم بيكاسو، الذي أطل على العالم بلوحته الملهمة «جويرنيكا» التي عبرت عن فظائع ما جرى لتلك المدينة الإسبانية من تدمير بعد غارة جوية ألمانية».
بين مؤامرة وإهمال
عن لبنان وسحرها المهدد نبقى بصحبة زياد بهاء الدين في «المصري اليوم»: «إن لم يكن الانفجار نفسه عملًا مدبرًا ومدفوعًا بأغراض سياسية فإن كل ملابسات ما جرى ويجري في لبنان الشقيق، هو في نهاية المطاف تعبير عن الأزمة السياسية المستمرة منذ عقود طويلة في هذا البلد الجميل، صاحب الحضارة والثقافة والذوق والفن، ووطن مَن لا وطن له في العالم العربي، وملتقى كل فكر مهاجر ومطارَد، وواحة الإبداع والحرية لمَن ضاقت بهم بلدانهم وحكوماتهم.الطائفية، والفساد، والتدخل الأجنبي، وتسلح الميليشيات، والانهيار الاقتصادي، وأزمات الوقود والقمامة، وندرة فرص العمل، وتدهور سعر العملة، ونقص الأدوية والمواد الغذائية، كلها نتائج وتداعيات لفساد النظام السياسي، الذي كلما حاول جيل الشباب المتعلم والمتطلع لمستقبل أفضل أن يصلحه، أو على الأقل يفلت من مظاهره القبيحة، ومهما لاح من بصيص أمل بذلك، عاد مرة أخرى للسيطرة والتحكم واسترد عافيته وأحكم قبضته على مفاتيح وأدوات الإدارة والحكم وتوزيع الأرزاق. تداعيات الانفجار الهائل في ميناء بيروت تحتاج تدخلات كثيرة ومُلِحّة، لإسعاف المصابين وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، ثم إعادة بناء وتأهيل ما أصاب العاصمة من دمار، ولا شك في أن العالم كله سيهرع للمعاونة في ذلك، وقد فهمت من الأخبار المبكرة، أن مصر في طليعة المتقدمين بالمساعدات الطبية والإنسانية، كما يجدر بها أن تكون. ولكن لا أتصور أن ينتهي الأمر عند الإنقاذ والتعمير والبناء، ولا أتصور أن يكتفي الشعب اللبناني الشقيق بالخطابات والتصريحات وتبادل الاتهامات المعتادة من أحزابه وتكتلاته وقياداته التقليدية، بل أتصور أن الانفجار، لو لم يكن سياسي الدوافع والمقاصد، فسوف يثير عاصفة من التداعيات السياسية والأمنية الخطيرة، وغير معروفة العواقب، التي أرجو ألا تدفع البلد إلى المزيد من الشقاق».
البقية تأتي
للبنان تقدير خاص بالنسبة لعماد الدين أديب في «الوطن»: «بالأمس انفجار مروع في بيروت، وغداً، تفجير أعنف في لبنان كلها، بالأمس تفجير بيروت جزء من صراع مسرحه القتالي في إيران، وسوريا، وحدود لبنان، وهضبة الجولان! هكذا قررت إسرائيل، وهكذا توعّد نتنياهو. وتفجير الغد المدوي سيكون إعلان الحكم في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري. في هذا الحكم ستكون هناك إجابات عن أسئلة رئيسية: من قتل وكيف؟ ومن حرّض وموّل ومن سهل الجريمة ومن تستر على القتلة؟ سنوات طويلة والمحكمة الخاصة في لاهاى تسجل آلاف الشهادات، وتتابع آلاف التسجيلات الصوتية، وتطّلع على ملايين الوثائق، لتجيب عن هذه الأسئلة. بعد صدور الحكم لن يصبح لبنان الذي نعرفه كما هو. بعد صدور الحكم، ستصبح العقوبات الدولية على إيران أكثر شدة، وسيصبح قانون قيصر ضد سوريا بداية إجراءات أكثر قسوة وأشد عقوبة. لبنان، سوريا، حزب الله، إيران، كلها سوف تتأثر مادياً ومعنوياً بحيثيات قرار محكمة الحريري. باختصار شديد سوف تصدر المحكمة حكماً جنائياً منطقياً سوف تكون له تداعيات سياسية مفتوحة غير منضبطة! ضحايا انفجار ميناء بيروت – سواء كانت إسرائيل أو الإهمال والفساد هم المتسببين في استشهادهم أو إصاباتهم أو ضياع أملاكهم – في النهاية سيخرجون من تبعات هذا الحادث وفي داخلهم غضب لا ينتهي على عهد الرئيس ميشيل عون، وكراهية شديدة ضد الحكومة الحالية، ومشاعر متفجرة ضد معادلة الحكم وأركانها ومؤسساتها».
مرشح لكارثة
يواصل عماد أديب قراءته في «الوطن» للحظة الفارقة في لبنان: «بعد هذا الرصيد المخيف من الغضب والإحباط، سوف يسمع الرأي اللبناني، فوق ذلك كله، وبالإضافة إليه، قرائن وحيثيات محكمة دولية خاصة، تقول له إن كثيراً ممن يحكمونه ليسوا فقط فاسدين، ولكنهم قتلة مجرمون بمعنى الكلمة. لبنان الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة كمشروع دولة، والذي يعاني من ثلاثية: «شدة الفساد، نقص السيادة، سقوط النخبة» عليه أن يتعامل مع هذا المثلث القاتل على قاعدة من 3 عناصر، كل منها تغتال قارة بأكملها وهي: حكم المحكمة الدولية. وقانون قيصر وآثاره، بالإضافة لانفلات الموقف الصحي بالنسبة لفيروس كورونا. تفجير الميناء في بيروت، هو رسالة مثل تلك التي أطلقت في إيران منذ 3 أشهر بتفجير أهم المواقع الحيوية والاستراتيجية، ومثل 20 عملية قصف في مئة يوم لأهداف منتقاة في الأراضي السورية، وفي العمليات النوعية ضد قيادات وعناصر حزب الله اللبناني في سوريا وهضبة الجولان. من المؤكد أن لبنان الصغير، الجريح المبتلى بساسة يعشقون الفساد، ويدمنون التربح من المال العام، والذي يعاني من وجود لاجئين ونازحين من فلسطين وسوريا يعادلون ثلثي تعداد سكانه المجتمعين، والذي يعاني من الانهيار الاقتصادي، والجفاف المالي، والإحباط الوطني، والسقوط الاجتماعي في ظل نقص سيولة، وزيادة بطالة، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، ورغبة شبابه في الهجرة النهائية، أصبح لا يحتمل؛ ببساطة نفد صبر الناس وأصبحوا شظايا انفجار مكتوم».
الحزن توأمها
جرح عروس الشرق الجميلة يصفه محمد إبراهيم الدسوقي في «الأهرام» بالعميق والمؤلم: لأن نكبتها كبيرة وموجعة، وجاءتها في وقت عصيب تعاني فيه من صعوبات اقتصادية ومالية جمة عصفت بها، خلال الأشهر الأخيرة، وكانت تبحث عن مخرج آمن منها، فإذا بها تصعق بفاجعة الانفجار، الذي خلف آثارًا وجروحًا يلزمها زمن حتى تتعافى منها تمامًا، لكن ستبقى ذكراها الأليمة شاخصة وحاضرة للأجيال الحالية ومن سيأتي بعدهم، وسوف تشكل خطًا فاصلًا في التطورات على الساحة اللبنانية الداخلية المأزومة والمتشابكة. وعلى الرغم من جسامة الحدث وتبعاته، فإن لبنان قادر على تجاوزه بتكاتف أبنائه ووحدتهم، ودعم محيطه العربي والإقليمي والدولي، وسوابق ومحن الماضي خير شاهد على ذلك، فلم تفتر عزيمة اللبنانيين يومًا عن مواصلة البناء والتطلع للمستقبل بعين التفاؤل، وبفضل هذه العزيمة أغلقوا صفحة الحرب الأهلية المدمرة، وما تلاها من شدائد وعواصف عاتية. ومع إحساسهم بالصدمة والهلع، فإن اللبنانيين يعلمون قبل غيرهم أن عليهم ترك أحزانهم جانبًا ـ على الأقل في الوقت الحالي ـ للمحافظة على تماسكهم الاجتماعي، وأن يشمروا عن سواعدهم للعمل وإصلاح ما خربه انفجار بيروت الغريب، وأن التوقيت ليس مناسبًا لممارسة لعبة التخمينات والتكهنات والتراشقات، انتظارا لاستجلاء حقيقة ما وقع في مرفأ بيروت وفك شيفرته، وما يكتنفه من غموض وملابسات يتوقع أن تكشف عنها التحقيقات الجارية بمعرفة الدولة اللبنانية. وحتى يتجاوز اللبنانيون بسلام مصابهم الأليم، فإنهم يحتاجون لكل دعم ومؤازرة ممكنة من الأشقاء العرب، الذين بادروا لمساعدة الشعب اللبناني، وتضميد جراحه، وفي مقدمتهم مصر التي أعلنت استعدادها لتقديم كل عون للبنان الجريح.
كنا سذجا
اعترف عماد الدين حسين في «الشروق» بأنه طوال السنوات السبع الماضية لجأت أديس أبابا إلى كل ما يمكن تصوره من حيل وألاعيب وشراء للوقت، حتى تمكنت من الملء الأول للسد قبل أسبوعين، من دون اتفاق مع مصر والسودان. البعض ظن بحسن نية أن هذا الملء الأولى هو أقصى وآخر حيل الخداع الإثيوبية، لكنهم كانوا مخطئين. خطاب الثلاثاء الماضي يؤكد ما كنا نعتبره شكوكا وهواجس، وهو أن أديس أبابا لا تريد اتفاقا قانونيا ملزما، بل مجرد خطوط إرشادية غير ملزمة لتشغيل السد، يمكن لإثيوبيا تغييرها في أي وقت. خطاب وزير الري الإثيوبي، يقول بوضوح ومن دون لف أو دوران، إن إثيوبيا تتعامل مع النيل الأرزق باعتباره نهرا إثيوبيا خالصا، وإنها تستغل بناء السد، لفرض اتفاق قسري على مصر والسودان لترسيخ هذا المفهوم. معنى الموقف الإثيوبي الأخير أن ما كانت تهمس به إثيوبيا طوال السنوات الماضية، صار هو الحقيقة التي لا يريد بعضنا تصديقها. وزير الخارجية الإثيوبية جيدو أندار جاشيو كان الأكثر وضوحا في التعبير عما تفكر فيه إثيوبيا، حيث غرّد بعد لحظات من اكتمال الملء الأول الانفرادي قائلا: «تهانينا، كان نهر النيل والآن أصبحت هناك بحيرة، ولن تتدفق مياهها نحو النهر، منها ستحصل إثيوبيا على ما تحتاج إليه من أجل التنمية، وفى الحقيقة.. النيل لنا».
مجرد بحيرة
واصل عماد الدين حسين في «الشروق» شهادته على ما جرى: «الترجمة الوحيدة لهذا الكلام الفج أن إثيوبيا تتعامل الآن مع النهر باعتباره بحيرة محلية، وليس نهرا دوليا عابرا للدول، وبالتالي فهي تعتبر أن كل قطرة ماء تصل لمصر والسودان بعد الآن، هو منة وتفضل من إثيوبيا. أديس أبابا ظلت تكذب لسنوات، وتقول أن الهدف الوحيد من بناء السد هو توليد الكهرباء لتحقيق التنمية، ثم اكتشفنا الحقيقة، وهي أنها تريده خزانا وبنكا للمياه تبتز به مصر في الأساس، وقد نكتشف غدا أنها سوف تستخدمه لأغراض زراعية. الخطاب الإثيوبى الأخير الذي يربط الاتفاق باتفاقية دائمة للنيل الأزرق، يعني ببساطة أن إثيوبيا تنسف كل الاتفاقيات السابقة، وتنسف حقوق مصر التاريخية من المياه، وتنسف اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه في الخرطوم في مارس/آذار 2015 . هي تريد اتفاقا جديدا يعطيها حق التصرف المنفرد في مياه النيل، وربما التفكير في بيع هذه المياه لمصر. إثيوبيا تواصل بدأب إرسال العديد من الرسائل لمصر في الشهور الأخيرة، بأنها ستفرض أمرها الواقع، اعتقادا أنها في موقع قوة، تتيح لها أن تفعل ما تشاء، من دون رد فعل حاسم. لا أحد يدعو للحرب أو يهدد بها، لكن لا أحد يقبل أيضا أن يموت عطشا».
ما ضاع حق وراءه مطالب
يصر سليمان جودة في «المصري اليوم» على أن يسمه بـ«السد الإثيوبي» وليس «سد النهضة».. وفسر الأمر على النحو التالي: «الحقيقة أنني أفعل ذلك عن قصد مستجيباً لدعوة كان المفكر الدكتور مصطفى الفقي قد أطلقها، عندما لاحظ من جانبه أن التعنت الإثيوبي المتواصل في عمليات التفاوض يجعل من وصف السد بأنه سد نهضة اسماً على غير مسمى.. وإلا فكيف يكون سداً نهضوياً في الوقت الذي تريده الحكومة في أديس أبابا مانعاً لأسباب الحياة عن 150 مليون إنسان في مصر والسودان؟ وسوف يظل سداً إثيوبيا ما دام الصلف نهجاً تمشي عليه حكومة أبي أحمد في العاصمة الإثيوبية، ولن يكون سداً للنهضة إلا إذا آمنت إثيوبيا بأن النهضة التي تريدها من وراء السد لا تعني حجب ماء النهر الخالد عن دولة الممر، ودولة المصب معاً! والتجربة التفاوضية السابقة هي تجربة طابا التي كانت تجربة مشهودة حقاً، والتي لم نقبل فيها أن تعود إلينا أرض سيناء إلا مساحة تكاد تقاس بالأمتار لا بالكيلومترات. لم نقبل بإصرار لأن القضية هناك كانت قضية عادلة، وكانت قضية تتصل بمبدأ، كما هي هنا بالضبط قضية عادلة كذلك وتتصل بمبدأ أيضاً، فالأرض في سيناء أرض والحق حق، سواء تعلق الأمر بها كلها أو بمساحة محدودة فيها، لأن إطاراً واحداً يظل يضم الجزء مع الكل، ولأن التفريط في أي منهما مرفوض بالدرجة نفسها من القوة.. هذا هو المبدأ الواضح الذي تخوض القاهرة مفاوضات السد على أساسه، ولو شاءت الحكومة في إثيوبيا أن تطالع تفاصيل معركة طابا، فسوف ترى أن القول العربي المأثور الذي يقول إنه ما ضاع حق وراءه مُطالب».
كفانا عروضاً مسرحية
من بين المتألمين لما آل إليه الوضع محمد بركات في «الأخبار»: «أحسب أن الوقت قد حان الآن للقول والتأكيد على أنه لا محل ولا موجب للاقتراح النزق والمندفع، الذي يصر البعض على طرحه وتكراره والإلحاح عليه، بحسن النية أحيانا، وبفرط الحماس والانفعال الزائد أحيانا أخرى، في كل وقت، خاصة مع بداية كل جولة جديدة للمفاوضات الماراثونية حول السد الإثيوبي، يتم الإعلان عن استئنافها وانعقادها. فقد اعتدنا مع بداية كل جولات المفاوضات، التي عقدت على طول الأسابيع والشهور والسنوات الماضية، ببعض الأصوات العالية تندفع بالتساؤل عما ستفعله مصر في حال استمرار الفشل في التوصل إلى اتفاق شامل وعادل للقواعد المنظمة لملء وعمل السد الإثيوبي، يحقق مصالح الدول الثلاث ويحفظ حقوق مصر والسودان المشروعة والتاريخية في مياه النيل. وفي كل مرة لا ينتظر هؤلاء إجابة عن تساؤلهم المشروع، لكنهم يسارعون بتقديم اقتراحهم الذي يمثل من وجهة نظرهم حلا سحريا ووحيدا للمشكلة القائمة، فإذا بهم يؤكدون أن الحل هو في اللجوء إلى الخيار العسكري. ومع احترامي الكامل لحسن النية لدى بعض هؤلاء، وتقديري البالغ للانفعال والحماس الزائد لدى البعض الآخر، فإن هناك حقيقة مهمة، بل بالغة الأهمية يجب ألا تغيب عنهم على الإطلاق. هذه الحقيقة تمثل العقيدة الثابتة لمصر والمبدأ الحاكم لتوجهاتها وأدائها على الساحتين الإقليمية والدولية، تجاه كل القضايا والأزمات، وهى الالتزام التام بالشرعية الدولية وقواعد وأسس القانون الدولي، مع عدم التفريط في الحقوق المشروعة لمصر وعدم المساس بأمنها القومي. من هنا.. كان ولا يزال السعي المصري، هو الوصول للاتفاق العادل والمتوازن من خلال المفاوضات، وهو ما يتطلب تعهد جميع الأطراف بالسعي لاتفاق عن طريق المفاوضات، وفي إطار الحفاظ على مصالح الدول الثلاث، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية، بما في ذلك عدم اللجوء للملء الأحادي للسد قبل الوصول لاتفاق نهائي قانوني ملزم للجميع».
حضور مشرف
في مرثية طويلة تنبض بالحياة والصدق والوجع في مجلة «الإذاعة والتلفزيون» سلّط خلالها الكاتب محمد بركات الضوء على صديق عمره الراحل حسنين كروم مدير مكتب القاهرة قال: «وُصف حسنين كروم بحق إنه هو جبرتي الصحافة المصرية والعربية في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة، سواء بتحقيقاته التاريخية، أو بكتبه المتفردة، أو بتقريره الذي كان وسيظل فلتة إعلامية وصحافية بلا نظير. وفي هذا الإطار من الإنسانية، ومن الصحافة والفن معاً يجب أن يُفهَم حسنين كروم وأن يُقيَّم.. ولن يضاف إليه مجد أن يقال إنه كان ناصرياً، فقد كنا جميعا.. وربما ما زلنا – ناصريين.. ولن يضاف إليه مجد آخر إذا قلنا إنه كان يسارياً، أو أنه كان تقدمياً، أو أنه كان على يسار الحركة الوطنية.. فقد كنا جميعاً كذلك.. وبالذات تلك الطليعة من النخبة المثقفة من أبناء الطبقة الوسطى، التي كان حسنين كروم واحداً من أبرز رموزها. كما لن يضاف إليه مجد جديد إذا قلنا إنه لم يغير مواقفه يوماً، بل ظل صاحب مبدأ، لا يتلون، ولا يتغير، ولا يباع، ولا يشترى..هذه كلها وغيرها لن تضيف إلى حسنين كروم شيئاً لأنه يملك ما يَجُبّ كل هذا ويتفوق عليه.. وتلك هي صفاته الكامنة في تكوينه، وهي أنه مصري أصيل.. مواطن شريف.. إنسان نبيل.. فيه من الأصالة بقدر ما فيه من العراقة.. وفيه من الحضارة بقدر ما فيه من الصدق.. وفيه من مكونات الشخصية المصرية الفريدة بقدر ما فيه من حب لهذا البلد.. في كلمة: حسنين كروم عندي، هو تلخيص للشخصية المصرية، رجل لا يعوض.. ولا يستبدل.. ولا يضاهى، إنه التقطير المركز لمصر نفسها، فهو مثقف موهوب وعريق ومتحضر، وكريم النفس، وكريم اليد، ومجامل، وودود، وبشوش، وخفيف الظل وساخر إلى حد لا يصدق.. وفوق كل هذا، بل هو لكل هذا يمكن أن يقال بلا غلو إنه واحد من عشاق مصر الكبار.. رجل من طراز عبدالمنعم رياض، وجمال حمدان، وسعد زغلول، وجمال عبدالناصر، وعبدالفتاح السيسي، والمنسي بطل الصاعقة، وأم كلثوم.. وبقية هذه القائمة الذهبية من رجال ونساء مصر العظام.. إنه في كلمة أخرى، رجل في الخالدين.. فالسلام عليه يوم ولد.. ويوم يموت.. ويوم يبعث حياً».
ملاذ المحبطين
تفاعل العديد من المثقفين والفنانين مع الأحداث المأساوية التي شهدتها بيروت، حيث قلما وجد فنان لم يتردد على بيروت، وأعرب الكثيرون عن خوفهم على المدينة التي كانت ملاذ الشعراء وكل من يطلب عونها، وبدورها استعادت الفنانة هند صبري، ذكرياتها مع الشعب اللبناني، معلنة دعمها له جراء الأحداث الأخيرة التي حدثت نتيجة انفجار مرفأ بيروت، معربة عن حزنها قائلة: «بيروت ما يلبقلها الحزن. بيكفي». وأضافت الفنانة وفقاً لـ«المصري اليوم»عبر حسابها الرسمي على مواقع التواصل الاجتماعي: «بيروت.. خيرها سابق.. أناس كثيرة اعتبروها ملجأ ومأوى من الحزن والاكتئاب، أكثر مدينة تشعرك براحة نفسية وتعطيك طاقة إيجابية في أحلك أيامك حتى وهي في أحلك أيامها». وأضافت: «أنا شخصيا لديّ أهل وأصدقاء في بيروت طالما وضعوني فوق رأسهم ولم يشعروني أبدا أنني غريبة وأنا وسطهم، دائما بيروت تتجمل وتفتح الأبواب وتشد من أزر زوارها، حتى وهي في لحظات حزنها، من عرف بيروت بكى اليوم وغضب مع أهلها، لا تستحق أبدا هذه النكبات المتتالية» بيكفي «مثل ما تقولون. بيروت ما يلبقلها الحزن، وجعكم وجعنا ونكبتكم نكبتنا ودعمكم بما نقدر عليه واجب علينا».
ضاعت للأسف
أسئلة تتردد على ألسنة الكثيرين يطرحها صالح الصالحي في «الأخبار»: «هل انتهى عصر الصحافة؟ هل انتهى بريق المهنة ومن يزاولونها؟ هل أصبحت المجتمعات من الكشف والتعري ما يجعل حاجتها للعمل الصحافي غير ضروري، أم أن العمل الصحافي بشكله المعتاد والنمطي اختفى وأصبح لا حاجة له؟ فلم يعد المسؤول من أكبر نقطة في العالم في أكبر الأنظمة تأثيرا في حاجة لوجود صحافيين أو مؤتمرات صحافية يعلن فيها للناس أهم التصريحات.. فأصبح يكفيهم أن يطلقوا تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق الغرض. كما أن كاميرات الموبايل أصبحت كافية لتغطية أخطر وأهم الأحداث العالمية، في بث مباشر، بل أكثر من ذلك أصبح لمواطنين عاديين قنوات خاصة بهم على السوشيال ميديا.. فالأمر لا يتطلب تكلفة على الإطلاق سوى موبايل ذكي. وأصبحت هذه التغطيات الفردية تمثل ضغوطا يعمل لها ألف حساب، حيث السرعة والدقة خلقتا لها القوة الكافية، حتى أصبحت تحرك الوسائل الإعلامية في شكلها المعتاد. الكل أصبح صحافيا ومذيعا، بل أكثر من ذلك أصبح مؤسسة قائمة بذاتها لا فرق بين صغير وكبير.. قديما كانوا يقولون للمذيع إن في يدك الحديدة رمزا للميكروفون.. أما الآن فانت لديك الكاميرا والحديدة وكل التأثير لك.. حرب إعلامية جديدة تخطت ذلك بكثير، فيخرج علينا رئيس الولايات المتحدة يشكو من مواقع السوشيال ميديا، ويؤكد أنها تحاربه وهو ما ظهر أخيراً في تصاعد أزمة شركة «التيك توك» في الولايات المتحدة الأمريكية. فضاء واسع.. لا ضابط ولا رابط له.. استطاع أن يقود ويتحكم في العمليات السياسية والإعلامية ذات الرحابة. حقا لم يختف المراسل ولم تختف الكاميرات التلفزيونية، لكنها متحكم فيها.. فهناك من يسيطر عليها وأصبح تأثيرها محدودا، إذا ما قورنت بالفضاء الإلكتروني. مهنة الصحافي والإعلامي أصبحت لكل من هب ودب.. فغاب عنها الوقار والاحترام المعهود فلم تعد صاحبة الجلالة».
لكي تنسى الماضي
كشفت الإدارة العامة لمباحث الجيزة، لغز العثور على جثة طفل 3 سنوات مصاب بطعنة في عنقه، وتبين أن والدته وراء ارتكاب الواقعة، بسبب مرورها بحالة نفسية سيئة بعد انفصالها عن والده. بداية الواقعة، كما أوردتها الصحف المصرية ومنها، «اليوم السابع» و«المصري اليوم» وغيرهما، بتلقى اللواء محمود السبيلي، مدير مباحث الجيزة، إخطارًا من شرطة النجدة بعثور الأهالي على جثة طفل ملقاه في أحد شوارع منطقة الجيزة. على الفور، انتقلت قوة أمنية إلى محل البلاغ، وتبين صحة الواقعة، وتم العثور على جثة طفل 3 سنوات غارقًا في دمائه، وبفحص الجثة تبين أنه مصاب بطعنة في عنقه، ويرتدي كامل ملابسه، وتبين من خلال مناظرة الجثة، أنها مصابة بجرح باستخدام سلاح أبيض في منطقة الرقبة، أسفر عن وفاته. بدأ رجال المباحث بفحص بلاغات التغيب، وسؤال شهود العيان، كما تم فحص كاميرات المراقبة الموجودة في مكان العثور على جثة الطفل، لكشف ملابسات الواقعة، ومعرفة مرتكبها. واستمع رجال المباحث إلى أقوال أسرة الطفل المجنى عليه، وتم استدعاء والده ووالدته، وتبين أنهما منفصلان منذ فترة، وقالت والدة الطفل إنها لم تكن تعرف مكانه أو تعلم أين هو خلال يوم الواقعة. وبتكثيف التحريات وتجميع الأدلة، تبين أن والدة الطفل وراء ارتكاب الواقعة، وتمكنت قوة أمنية من ضبطها، وبتضييق الخناق عليها أقرت أمام رجال المباحث بارتكاب الواقعة، وذلك بسبب مرورها بأزمة نفسية منذ انفصالها عن والده. وقالت في أقوالها، إنها خططت لإنهاء حياة الطفل حتى لا يذكرها بوالده بعد انفصالهما، وانتظرت حتى الليل، واستدعته لغرفتها، وحملت سكينًا أنهت به حياته فورًا، وأنها طعنته بسلاح أبيض في رقبته، وقامت بنقله ووضعه في أحد شوارع المنطقة، لإبعاد الشبهة الجنائية عنها. وتم استدعاء النيابة التى صرّحت بتشريح جثة الطفل لبيان أسباب الحادث وملابساته، وأمرت بتسليمه لذويه لدفنه.
عن جريدة ” القدس العربي ” لندن. بتاريخ 7 أغسطس 2020